وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، أَبْلَى فِيهِ نَصْرٌ بَلَاءً عَظِيمًا، وَكَانَ الظَّفَرُ لَهُ، وَعَادَ طَاهِرٌ شِبْهَ الْمَهْزُومِ إِلَى الرَّقَّةِ) .
وَكَانَ قُصَارَى أَمْرِ طَاهِرٍ حِفْظَ تِلْكَ النَّوَاحِي.
وَكَتَبَ الْمَأْمُونُ إِلَى هَرْثَمَةَ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى خُرَاسَانَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ.
ذِكْرُ وَقْعَةِ الرَّبَضِ بِقُرْطُبَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ بِقُرْطُبَةَ الْوَقْعَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالرَّبَضِ، وَسَبَبُهَا أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ هِشَامٍ الْأُمَوِيَّ، صَاحِبَهَا، كَانَ كَثِيرَ التَّشَاغُلِ بِاللَّهْوِ وَالصَّيْدِ وَالشُّرْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُجَانِسُهُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَعْيَانِ قُرْطُبَةَ، فَكَرِهَهُ أَهْلُهَا، وَصَارُوا يَتَعَرَّضُونَ لِجُنْدِهِ بِالْأَذَى وَالسَّبِّ، إِلَى أَنْ بَلَغَ الْأَمْرُ بِالْغَوْغَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَذَانِ: " الصَّلَاةَ يَا مَخْمُورُ الصَّلَاةَ "، وَشَافَهَهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَوْلِ، وَصَفَّقُوا عَلَيْهِ بِالْأَكُفِّ، فَشَرَعَ فِي تَحْصِينِ قُرْطُبَةَ وَعِمَارَةِ أَسْوَارِهَا، وَحَفْرِ خَنَادِقِهَا، وَارْتَبَطَ الْخَيْلَ عَلَى بَابِهِ، وَاسْتَكْثَرَ الْمَمَالِيكَ، وَرَتَّبَ جَمْعًا لَا يُفَارِقُونَ بَابَ قَصْرِهِ بِالسِّلَاحِ، فَزَادَ ذَلِكَ فِي حِقْدِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلِانْتِقَامِ مِنْهُمْ.
ثُمَّ وَضَعَ عَلَيْهِمْ عُشْرَ الْأَطْعِمَةِ كُلَّ سَنَةٍ، مِنْ غَيْرِ حِرْصٍ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى عَشَرَةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ سُفَهَائِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، فَهَاجَ لِذَلِكَ أَهْلُ الرَّبَضِ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ مَمْلُوكًا لَهُ سَلَّمَ سَيْفًا إِلَى صَيْقَلٍ لِيَصْقُلَهُ، فَمَطَلَهُ، فَأَخَذَ الْمَمْلُوكُ السَّيْفَ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ الصَّيْقَلَ بِهِ إِلَى أَنْ قَتَلَهُ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ أَهْلُ الرَّبَضِ، وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَرْبَاضِ جَمِيعَهُمْ بِالسِّلَاحِ، وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ وَالْأُمَوِيُّونَ وَالْعَبِيدُ بِالْقَصْرِ، وَفَرَّقَ الْحَكَمُ الْخَيْلَ وَالْأَسْلِحَةَ، وَجَعَلَ