[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ]

198 -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ

ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ طَاهِرٍ عَلَى بَغْدَاذَ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَحِقَ خُزَيْمَةُ بْنُ خَازِمٍ بِطَاهِرٍ، وَفَارَقَ الْأَمِينَ، وَدَخَلَ هَرْثَمَةُ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ.

وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ طَاهِرًا أَرْسَلَ إِلَى خُزَيْمَةَ أَنِ انْفَصَلَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ [أَثَرٌ] فِي نُصْرَتِي، أَلَا أَقْصِرْ فِي أَمْرِكَ! فَأَجَابَهُ بِالطَّاعَةِ وَقَالَ لَهُ: لَوْ كُنْتَ أَنْتَ النَّازِلَ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ فِي مَكَانِ هَرْثَمَةَ لَحَمَلَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ. وَأَخْبَرَهُ قِلَّةَ ثِقَتِهِ بِهَرْثَمَةَ، إِلَّا أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْقِيَامَ دُونَهُ لِخَوْفِهِ مِنَ الْعَامَّةِ. فَكَتَبَ طَاهِرٌ إِلَى هَرْثَمَةَ يُعَجِّزُهُ وَيَلُومُهُ، وَيَقُولُ: جَمَعْتَ الْأَجْنَادَ، وَأَتْلَفْتَ الْأَمْوَالَ، وَقَدْ وَقَفْتَ وُقُوفَ الْمُحْجِمِ عَمَّنْ بِإِزَائِكَ، فَاسْتَعِدَّ لِلدُّخُولِ إِلَيْهِمْ، فَقَدْ أَحْكَمْتُ الْأَمْرَ عَلَى دَفْعِ الْعَسْكَرِ، وَقَطْعِ الْجُسُورِ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَخْتَلِفَ عَلَيْكَ اثْنَانِ.

فَأَجَابَهُ هَرْثَمَةُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَكَتَبَ طَاهِرٌ إِلَى خُزَيْمَةَ بِذَلِكَ، وَكَتَبَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْأَرْبِعَاءِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَثَبَ خُزَيْمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى عَلَى جِسْرِ دِجْلَةَ فَقَطَعَاهُ، وَخَلَعَا مُحَمَّدًا الْأَمِينَ، وَسَكَنَ أَهْلُ عَسْكَرِ الْمَهْدِيِّ، وَلَمْ يَدْخُلْ هَرْثَمَةُ حَتَّى مَضَى إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الْقُوَّادِ وَحَلَفُوا لَهُ أَنَّهُ لَا يَرَى مِنْهُمْ مَكْرُوهًا، فَدَخَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ الْخَلِيعُ فِي ذَلِكَ:

عَلَيْنَا جَمِيعًا مِنْ خُزَيْمَةَ مِنَّةٌ ... بِهَا أَخْمَدَ الرَّحْمَنُ نَائِرَةَ الْحَرْبِ

تَوَلَّى أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ بِنَفْسِهِ ... فَذَبَّ وَحَامَى عَنْهُمُ أَشْرَفَ الذَّبِّ

وَلَوْلَا أَبُو الْعَبَّاسِ مَا انْفَكَّ دَهْرُنَا ... يَبِيتُ عَلَى عَتْبٍ وَيَغْدُو عَلَى عَتْبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015