الْحَوَادِثِ بِبَغْدَاذَ، فِي هَذِهِ الْحَرْبِ، تَرَكْتُهَا لِطُولِهَا.
وَذُكِرَ أَنَّ قَائِدًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، مِنْ أَصْحَابِ طَاهِرٍ، مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالْبَأْسِ، خَرَجَ يَوْمًا إِلَى الْقِتَالِ، فَنَظَرَ إِلَى قَوْمٍ عُرَاةٍ لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا يُقَاتِلُنَا إِلَّا مَنْ نَرَى اسْتِهَانَةً بِأَمْرِهِمْ، وَاحْتِقَارًا لَهُمْ. فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ! هَؤُلَاءِ هُمُ الْآفَةُ. فَقَالَ لَهُمْ: أُفٍّ لَكُمْ حِينَ تَنْهَزِمُونَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَنْتُمْ فِي السِّلَاحِ وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ، وَفِيكُمُ الشَّجَاعَةُ، وَمَا عَسَى يَبْلُغُ كَيَدُ هَؤُلَاءِ وَلَا سِلَاحَ مَعَهُمْ، وَلَا جُنَّةَ تَقِيهِمْ!
وَتَقَدَّمَ إِلَى بَعْضِهِمْ، وَفِي يَدَيْهِ بَارِيِّةٌ مُقَيَّرَةٌ، وَتَحْتَ إِبِطِهِ مِخْلَاةٌ فِيهَا حِجَارَةٌ، فَجَعَلَ الْخُرَاسَانِيُّ كُلَّمَا رَمَى بِسَهْمٍ اسْتَتَرَ مِنْهُ الْعَيَّارُ فَوَقَعَ فِي بَارِيَّتِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، فَيَأْخُذُهُ وَيَتْرُكُهُ مَعَهُ، وَصَاحَ: دَانِقٌ، أَيْ ثَمَنُ النُّشَّابَةِ دَانِقٌ قَدْ أَحْرَزَهُ، فَلَمْ يَزَالَا كَذَلِكَ حَتَّى فَنِيَتْ سِهَامُ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ الْعَيَّارُ، وَرَمَى بِحَجَرٍ مِنْ مِخْلَاتِهِ فِي مِقْلَاعٍ، فَمَا أَخْطَأَ عَيْنَهُ، ثُمَّ آخَرَ، فَكَادَ يَصْرَعُهُ، فَانْهَزَمَ وَهُوَ يَقُولُ: لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِنَاسٍ. فَلَمَّا سَمِعَ طَاهِرٌ خَبَرَهُ ضَحِكَ مِنْهُ.
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى طَاهِرٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي قَصْرِ صَالِحٍ مَنْ قُتِلَ، أَمَرَ بِالْهَدْمِ وَالْإِحْرَاقِ، فَهَدَمَ دُورَ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ بَيْنِ دِجْلَةَ وَدَارِ الرَّقِيقِ، وَبَابِ الشَّامِ، وَبَابِ الْكُوفَةِ، إِلَى الصَّرَاةِ وَرَبَضِ حُمَيْدٍ، وَنَهَرِ كَرْخَايَا، فَكَانَ أَصْحَابُهُ إِذَا هَدَمُوا دَارًا أَخَذَ أَصْحَابُ الْأَمِينِ أَبْوَابَهَا وَسُقُوفَهَا، فَيَكُونُونَ أَشَدَّ عَلَى أَهْلِهَا، فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْهُمْ:
لَنَا كُلَّ يَوْمٍ ثُلْمَةٌ لَا نَسُدُّهَا ... يَزِيدُونَ فِيمَا يَطْلُبُونَ وَنَنْقُصُ
إِذَا هَدَمُوا دَارًا أَخَذْنَا سُقُوفَهَا ... وَنَحْنُ لِأُخْرَى غَيْرِهَا نَتَرَبَّصُ
فَإِنْ حَرَصُوا يَوْمًا عَلَى الشَّرِّ جَهْدَهُمْ ... فَغَوْغَاؤُنَا مِنْهُمْ عَلَى الشَّرِّ أَحْرَصُ