خُيُولُ الْأَمِينِ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْأَمِينِ وَتَفَرَّقُوا، فَخَلَعَ الْحُسَيْنُ الْأَمِينَ يَوْمَ الْأَحَدِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَجَبٍ، وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ لِلْمَأْمُونِ مِنَ الْغَدِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ وَثَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيسَى بِالْأَمِينِ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ قَصْرِ الْخُلْدِ، وَحَبَسَهُ بِقَصْرِ الْمَنْصُورِ، وَأَخْرَجَ أُمَّهُ زُبَيْدَةَ أَيْضًا، فَجَعَلَهَا مَعَ ابْنِهَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ طَالَبَ النَّاسُ الْحُسَيْنَ بِالْأَرْزَاقِ، وَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ بِبَابِ الشَّامِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّ سَبَبٍ تَأَمَّرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْنَا، وَيَتَوَلَّى هَذَا الْأَمْرَ دُونَنَا؟ مَا هُوَ بِأَكْبَرِنَا سِنًّا، وَمَا هُوَ بِأَكْبَرِنَا حَسَبًا، وَلَا بِأَعْظَمِنَا مَنْزِلَةً وَغِنًى، وَإِنِّي أَوَّلُكُمْ أَنْقُضُ عَهْدَهُ، وَأُظْهِرُ الْإِنْكَارَ لِفِعْلِهِ، فَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِي فَلْيَعْتَزِلْ مَعِي.
وَقَالَ أَسَدٌ الْحَرْبِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْحَرْبِيَّةِ! هَذَا يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ، إِنَّكُمْ قَدْ نِمْتُمْ فَطَالَ نَوْمُكُمْ، وَتَأَخَّرْتُمْ فَتَقَدَّمَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ، وَقَدْ ذَهَبَ أَقْوَامٌ بِخَلْعِ الْأَمِينِ، فَاذْهَبُوا أَنْتُمْ بِذِكْرِ فَكِّهِ وَإِطْلَاقِهِ.
وَأَقْبَلَ شَيْخٌ عَلَى فَرَسٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ تَعْتَدُونَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِقَطْعِ أَرْزَاقِهِمْ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَهَلْ قَصَّرَ بِأَحَدٍ مِنْ رُؤَسَائِكُمْ، وَعَزَلَ أَحَدًا مِنْ قُوَّادِكُمْ؟ قَالُوا: لَا! قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ خَذَلْتُمُوهُ، وَأَعَنْتُمْ عَدُوَّهُ عَلَى أَسْرِهِ؟ وَايْمُ اللَّهِ مَا قَتَلَ قَوْمٌ خَلِيفَتَهُمْ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّيْفَ، انْهَضُوا إِلَى خَلِيفَتِكُمْ فَقَاتِلُوا عَنْهُ مَنْ أَرَادَ خَلْعَهُ. فَنَهَضُوا وَتَبِعَهُمْ أَهْلُ الْأَرْبَاضِ، فَقَاتَلُوا الْحُسَيْنَ قِتَالًا شَدِيدًا، فَأُسِرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَدَخَلَ أَسَدٌ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْأَمِينِ، فَكَسَرَ قُيُودَهُ، وَأَقْعَدَهُ فِي مَجْلِسِ الْخِلَافَةِ.