فَوَرَدَ الْكِتَابُ مَعَ الْبَرِيدِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَبَيْنَهُمَا نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْ فَرْسَخٍ، فَدَخَلَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ عَلَى الْمَأْمُونِ، فَهَنَّأَهُ بِالْفَتْحِ، وَأَمَرَ النَّاسَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ، ثُمَّ وَصَلَ رَأْسُ عَلِيٍّ بَعْدَ الْكِتَابِ بِيَوْمَيْنِ، فَطِيفَ بِهِ فِي خُرَاسَانَ.

وَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ بِالْفَتْحِ كَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ جَهَّزَ هَرْثَمَةَ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ لِيُسَيِّرَهُ نَجْدَةً لِطَاهِرٍ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِالْفَتْحِ.

وَأَمَّا الْأَمِينُ فَإِنَّهُ أَتَاهُ نَعْيُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَهُوَ يَصْطَادُ السَّمَكَ، فَقَالَ لِلَّذِي أَخْبَرَهُ: وَيْلَكَ دَعْنِي، فَإِنَّ كَوْثَرًا قَدِ اصْطَادَ سَمَكَتَيْنِ، وَأَنَا مَا صِدْتُ شَيْئًا بَعْدُ.

ثُمَّ بَعَثَ الْفَضْلُ إِلَى نَوْفَلٍ الْخَادِمِ، وَهُوَ وَكِيلُ الْمَأْمُونِ عَلَى مَكَّةَ بِالسَّوَادِ، وَالنَّاظِرُ فِي أَمْرِ أَوْلَادِهِ بِبَغْدَاذَ، وَكَانَ لِلْمَأْمُونِ مَعَهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ قَدْ وَصَلَهُ بِهَا الرَّشِيدُ، فَأَخَذَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ، وَقَبَضَ ضِيَاعَهُ وَغَلَّاتِهِ، فَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ بَغْدَاذَ فِي ذَلِكَ:

أَضَاعَ الْخِلَافَةَ غِشُّ الْوَزِيرِ ... وَفِسْقُ الْأَمِيرِ وَجَهْلُ الْمُشِيرِ

فَفَضْلٌ وَزِيرٌ، وَبَكْرٌ مُشِيرٌ ... يُرِيدَانِ مَا فِيهِ حَتْفُ الْأَمِيرِ

وَمَا ذَاكَ إِلَّا طَرِيقُ غُرُورٍ ... وَشَرُّ الْمَسَالِكِ طُرُقُ الْغُرُورِ

فِي عِدَّةِ أَبْيَاتٍ تَرَكْتُهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْقَذْفِ الْفَاحِشِ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ حَيْثُ ذَكَرَهَا مَعَ وَرَعِهِ.

وَنَدِمَ الْأَمِينُ عَلَى نَكْثِهِ وَغَدْرِهِ، وَمَشَى الْقُوَّادُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي النِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ، فَاتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ الْأَرْزَاقِ وَالشَّغْبِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَفَرَّقَ فِيهِمْ مَالًا كَثِيرًا بَعْدَ أَنْ قَاتَلَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، فَمَنَعَهُ الْأَمِينُ.

ذِكْرُ تَوْجِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبَلَةَ

لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَمِينِ قَتْلُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَهَزِيمَةُ عَسْكَرِهِ - وَجَّهَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جَبَلَةَ الْأَنْبَارِيَّ فِي عِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ نَحْوَ هَمَذَانَ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا، وَعَلَى كُلِّ مَا يَفْتَحُهُ مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015