192 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ مَسِيرِ الرَّشِيدِ إِلَى خُرَاسَانَ
فِيهَا سَارَ الرَّشِيدُ مِنَ الرَّقَّةِ إِلَى بَغْدَاذَ يُرِيدُ خُرَاسَانَ لِحَرْبِ رَافِعِ بْنِ اللَّيْثِ، وَكَانَ مَرِيضًا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الرَّقَّةِ ابْنَهُ الْقَاسِمَ، وَضَمَّ إِلَيْهِ خُزَيْمَةَ بْنَ خَازِمٍ، وَسَارَ مِنْ بَغْدَاذَ إِلَى النَّهْرَوَانِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَغْدَاذَ ابْنَهُ الْأَمِينَ، وَأَمَرَ الْمَأْمُونَ بِالْمُقَامِ بِبَغْدَاذَ. فَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ لِلْمَأْمُونِ حِينَ أَرَادَ الرَّشِيدُ الْمَسِيرَ إِلَى خُرَاسَانَ: لَسْتَ تَدْرِي مَا يَحْدُثُ بِالرَّشِيدِ، وَخُرَاسَانُ وِلَايَتُكَ، وَمُحَمَّدٌ الْأَمِينُ الْمُقَدَّمُ عَلَيْكَ، وَإِنَّ أَحْسَنَ مَا يَصْنَعُ بِكَ أَنْ يَخْلَعَكَ، وَهُوَ ابْنُ زُبَيْدَةَ [وَأَخْوَالُهُ بَنُو هَاشِمٍ، وَزُبَيْدَةُ] وَأَمْوَالُهَا [رِدْءٌ لَهُ] ، فَاطْلُبْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَسِيرَ مَعَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بَعْدَ امْتِنَاعٍ.
فَلَمَّا سَارَ الرَّشِيدُ سَايَرَهُ الصَّبَّاحُ الطَّبَرِيُّ، فَقَالَ لَهُ: يَا صَبَّاحُ، لَا أَظُنُّكَ تَرَانِي أَبَدًا. فَدَعَا، فَقَالَ: مَا أَظُنُّكَ تَدْرِي مَا أَجِدُ. قَالَ الصَّبَّاحُ: لَا وَاللَّهِ. فَعَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَاسْتَظَلَّ بِشَجَرَةٍ، وَأَمَرَ خَوَاصَّهُ بِالْبُعْدِ، فَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَإِذَا عَلَيْهِ عِصَابَةٌ حَرِيرٌ، فَقَالَ: هَذِهِ عِلَّةٌ أَكْتُمُهَا النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدَيَّ عَلَيَّ رَقِيبٌ، فَمَسْرُورٌ رَقِيبُ الْمَأْمُونِ، وَجِبْرَائِيلُ بْنُ بَخْتِيَشُوعَ رَقِيبُ الْأَمِينِ، وَمَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُحْصِي أَنْفَاسِي، وَيَسْتَطِيلُ دَهْرِي، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ، فَالسَّاعَةَ أَدْعُو بِدَابَّةٍ، فَيَأْتُونِي بِدَابَّةٍ أَعْجَفَ قَطُوفٍ لِتَزِيدَ بِي عِلَّتِي، فَاكْتُمْ عَلَيَّ ذَلِكَ. فَدَعَا لَهُ بِالْبَقَاءِ، ثُمَّ طَلَبَ الرَّشِيدُ دَابَّةً، فَجَاءُوا بِهَا عَلَى مَا وَصَفَ، فَنَظَرَ إِلَى الصَّبَّاحِ وَرَكِبَهَا.