وَلَا تَجْعَلِ الْكُفْرَ مَكَانَ الشُّكْرِ، وَلَا الْعِقَابَ مَوْضِعَ الثَّوَابِ، فَقَدْ نَخَلْتُ لَكَ النَّصِيحَةَ، وَمَحَضْتُ لَكَ الطَّاعَةَ، وَشَدَدْتُ أَوَاخِيَ مُلْكِكَ بِأَثْقَلَ مِنْ رُكْنَيْ يَلَمْلَمَ، وَتَرَكْتُ عَدُوَّكَ مُشْتَغِلًا، فَاللَّهَ اللَّهَ (فِي ذِي رَحِمِكَ أَنْ تَقْطَعَهُ بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَهُ، بِظَنٍّ أَفْصَحَ الْكِتَابُ [لِي] بِعِضَهِهِ، أَوْ بِبَغْيِ بَاغٍ يَنْهَسُ اللَّحْمَ، وَيَلِغُ الدَّمَ، فَقَدْ وَاللَّهِ سَهَّلْتُ لَكَ الْوُعُورَ، وَذَلَّلْتُ لَكَ الْأُمُورَ، وَجَمَعْتُ عَلَى طَاعَتِكَ الْقُلُوبَ فِي الصُّدُورِ، فَكَمْ [مِنْ] لَيْلِ تَمَامٍ فِيكَ كَابَدْتُهُ، وَمَقَامٍ ضَيِّقٍ [لَكَ] قُمْتُهُ، كُنْتُ [فِيهِ] كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ - يَعْنِي لَبِيدًا -: وَمَقَامٍ ضَيِّقٍ فَرَّجْتُهُ بِبَيَانٍ وَلِسَانٍ وَجَدَلْ لَوْ يَقُومُ الْفِيلُ أَوْ فَيَّالُهُ زَلَّ عَنْ مِثْلِ مَقَامِي وَزَحَلْ
فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: وَاللَّهِ لَوْلَا إِبْقَائِي عَلَى بَنِي هَاشِمٍ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ. ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى مَحْبِسِهِ.
فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الرَّشِيدِ، وَكَانَ عَلَى شُرْطَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ الْعَظِيمِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا عَلِمْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ إِلَّا نَاصِحًا، فَعَلَامَ حَبَسْتَهُ؟ فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْهُ مَا أَوْحَشَنِي، وَلَمْ آمَنْهُ أَنْ يَضْرِبَ بَيْنَ ابْنَيَّ هَذَيْنِ - يَعْنِي الْأَمِينَ وَالْمَأْمُونَ - فَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنْ نُطْلِقَهُ مِنَ الْحَبْسِ أَطْلَقْنَاهُ. فَقَالَ: أَمَا إِذْ حَبَسْتَهُ، فَلَسْتُ أَرَى فِي قُرْبِ الْمُدَّةِ أَنْ تُطْلِقَهُ، وَلَكِنْ تَحْبِسُهُ مَحْبَسًا كَرِيمًا. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. فَأَمَرَ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ أَنْ يَمْضِيَ إِلَيْهِ،