قَالَ ثُمَامَةُ: قُلْتُ لِجَعْفَرٍ: مَا الْبَيَانُ؟ قَالَ: أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ مُحِيطًا بِمَعْنَاكَ، مُخْبِرًا عَنْ مَغْزَاكَ، مُخْرِجًا مِنَ الشَّرِكَةِ، غَيْرَ مُسْتَعَانٍ عَلَيْهِ بِالْفِكْرَةِ.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَضِبَ الرَّشِيدُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبِهِ كَانَ يُكَنَّى، وَكَانَ مِنْ رُحَّالِ النَّاسِ، فَسَعَى بِأَبِيهِ هُوَ وَقُمَامَةُ كَاتِبُ أَبِيهِ، وَقَالَا لِلرَّشِيدِ: إِنَّهُ يَطْلُبُ الْخِلَافَةَ، وَيَطْمَعُ فِيهَا. فَأَخَذَهُ وَحَبَسَهُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَأَحْضَرَهُ يَوْمًا حِينَ سَخِطَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: أَكُفْرًا بِالنِّعْمَةِ، وَجُحُودًا لِجَلِيلِ الْمِنَّةِ وَالتَّكْرِمَةِ؟
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ بُؤْتُ إِذًا بِالنَّدَمِ، وَتَعَرَّضْتُ لِاسْتِحْلَالِ النِّقَمِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بَغْيُ حَاسِدِنَا، فَنَسِيَ فِيكَ مَوَدَّةَ الْقَرَابَةِ وَتَقْدِيمَ الْوِلَايَةِ، إِنَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ، وَأَمِينُهُ عَلَى عِتْرَتِهِ، لَكَ عَلَيْهَا فَرْضُ الطَّاعَةِ، وَأَدَاءُ النَّصِيحَةِ، وَلَهَا عَلَيْكَ الْعَدْلُ فِي حُكْمِهَا، وَالْغُفْرَانُ لِذُنُوبِهَا، وَالتَّثَبُّتُ فِي حَادِثِهَا.
فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: أَتَضَعُ [لِي] مِنْ لِسَانِكَ، وَتَرْفَعُ [لِي] مِنْ جَنَانِكَ؟ هَذَا كَاتِبُكَ قُمَامَةُ يُخْبِرُ بِغِلِّكَ وَفَسَادِ نِيَّتِكَ، فَاسْمَعْ كَلَامَهُ.
فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَعْطَاكَ مَا لَيْسَ فِي عِقْدِهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْضَهَنِي أَوْ يَبْهَتَنِي بِمَا لَمْ يَعْرِفْهُ مِنِّي.
فَأُحْضِرَ قُمَامَةُ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: تَكَلَّمْ غَيْرَ هَائِبٍ وَلَا خَائِفٍ! فَقَالَ: أَقُولُ: إِنَّهُ عَازِمٌ عَلَى الْغَدْرِ بِكَ وَالْخِلَافِ عَلَيْكَ.