وَحَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ هَارُونُ الرَّشِيدُ.
ذِكْرُ ظَفَرِ هِشَامٍ بِأَخَوَيْهِ وَمَطْرُوحٍ
وَفِيهَا فَرَغَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، صَاحِبُ الْأَنْدَلُسِ، مِنْ أَخَوَيْهِ سُلَيْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ، وَأَجْلَاهُمَا عَنِ الْأَنْدَلُسِ، فَلَمَّا خَلَا سِرُّهُ مِنْهُمَا انْتَدَبَ لِمَطْرُوحِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَقْظَانَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُثْمَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ.
فَسَارُوا إِلَى مَطْرُوحٍ، وَهُوَ بِسَرَقُسْطَةَ، فَحَصَرُوهُ بِهَا، فَلَمْ يَظْفَرُوا بِهِ، فَرَجَعَ أَبُو عُثْمَانَ عَنْهُ، وَنَزَلَ بِحِصْنِ طَرَسُونَةَ، بِالْقُرْبِ مِنْ سَرَقُسْطَةَ، وَبَثَّ سَرَايَاهُ عَلَى أَهْلِ سَرَقُسْطَةَ يُغِيرُونَ وَيَمْنَعُونَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ.
ثُمَّ إِنَّ مَطْرُوحًا خَرَجَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، آخِرَ النَّهَارِ، يَتَصَيَّدُ، فَأَرْسَلَ الْبَازِي عَلَى طَائِرٍ، فَاقْتَنَصَهُ، فَنَزَلَ مَطْرُوحٌ لِيَذْبَحَهُ بِيَدِهِ، وَمَعَهُ صَاحِبَانِ لَهُ قَدِ انْفَرَدَ بِهِمَا عَنْ أَصْحَابِهِ، فَقَتَلَاهُ وَاحْتَزَّا رَأْسَهُ وَأَتَيَا بِهِ أَبَا عُثْمَانَ، فَسَارَ إِلَى سَرَقُسْطَةَ، فَكَاتَبَهُ أَهْلُهَا بِالطَّاعَةِ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ، وَسَارَ إِلَيْهَا فَنَزَلَهَا، وَأَرْسَلَ رَأْسَ مَطْرُوحٍ إِلَى هِشَامٍ.
ذِكْرُ غَزَاةِ هِشَامٍ بِالْأَنْدَلُسِ
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَطْرُوحٍ أَخَذَ الْجَيْشَ، وَسَارَ بِهِمْ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ، فَقَصَدَ أَلَبَةَ، وَالْقِلَاعَ، فَلَقِيَهُ الْعَدُوُّ، فَظَفِرَ بِهِمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَفِيهَا سَيَّرَ هِشَامٌ أَيْضًا يُوسُفَ بْنَ بُخْتٍ فِي جَيْشٍ إِلَى جِلِّيقِيَّةَ، فَلَقِيَ مَلِكَهُمْ وَهُوَ بُرْمُنْدُ الْكَبِيرُ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَتِ الْجَلَالِقَةُ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ عَالَمٌ كَثِيرٌ.
وَفِيهَا انْقَادَ أَهْلُ طُلَيْطِلَةَ إِلَى طَاعَةِ الْأَمِيرِ هِشَامٍ فَآمَنَهُمْ.
وَفِيهَا سَجَنَ هِشَامٌ أَيْضًا ابْنَهُ عَبْدَ الْمَلِكِ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُ، فَبَقِيَ مَسْجُونًا حَيَاةَ أَبِيهِ وَبَعْضَ وِلَايَةِ أَخِيهِ، فَتُوُفِّيَ مَحْبُوسًا سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ.