يَنْفَرِدُ فِي الْأُمُورِ بِرَأْيِهِ، شُجَاعًا مِقْدَامًا بَعِيدَ الْغَوْرِ) ، شَدِيدَ الْحَذَرِ، سَخِيًّا، جَوَادًا، يُكْثِرُ لُبْسَ الْبَيَاضِ، وَكَانَ يُقَاسُ بِالْمَنْصُورِ فِي حَزْمِهِ وَشِدَّتِهِ، وَضَبْطِ الْمَمْلَكَةِ.
(وَبَنَى الرُّصَافَةَ بِقُرْطُبَةَ تَشَبُّهًا بِجَدِّهِ هِشَامٍ حَيْثُ بَنَى الرُّصَافَةَ بِالشَّامِ، وَلَمَّا سَكَنَهَا رَأَى فِيهَا نَخْلَةً مُنْفَرِدَةً، فَقَالَ:
تَبَدَّتْ لَنَا وَسْطَ الرُّصَافَةِ نَخْلَةٌ ... تَنَاءَتْ بِأَرْضِ الْغَرْبِ عَنْ بَلَدِ النَّخْلِ
فَقُلْتُ: شَبِيهِي فِي التَّغَرُّبِ وَالنَّوَى ... وَطُولِ التَّنَائِي عَنْ بَنِيَّ وَعَنْ أَهْلِي
نَشَأْتِ بِأَرْضٍ أَنْتِ فِيهَا غَرِيبَةٌ ... فَمِثْلُكِ فِي الْإِقْصَاءِ وَالْمُنْتَأَى مِثْلِي
سَقَتْكِ غَوَادِي الْمُزْنِ مِنْ صَوْبِهَا الَّذِي ... يَسِحُّ وَيَسْتَمْرِي السِّمَاكَيْنِ بِالْوَبْلِ
وَقَصَدَهُ بَنُو أُمَيَّةَ مِنَ الْمَشْرِقِ، فَمِنَ الْمَشْهُورِينَ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَرْوَانَ، وَهُوَ قُعْدُدُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ سَبَبَ قَطْعِ الدَّعْوَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ بِالْأَنْدَلُسِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ مَعَهُ أَحَدَ عَشَرَ وَلَدًا لَهُ) .
ذِكْرُ إِمَارَةِ ابْنِهِ هِشَامٍ
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ عَهِدَ إِلَى ابْنِهِ هِشَامٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَكْبَرَ وَلَدِهِ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَسَّمُ فِيهِ الشَّهَامَةَ، وَالِاضْطِلَاعَ بِهَذَا الْأَمْرِ، فَلِهَذَا عَهِدَ إِلَيْهِ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهُ كَانَ هُوَ بِمَارِدَةَ مُتَوَلِّيًا لَهَا، وَنَاظِرًا فِي أَمْرِهَا، وَكَانَ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ، بِمَدِينَةِ طُلَيْطِلَةَ، وَكَانَ يَرُومُ الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَيَحْسُدُ أَخَاهُ هِشَامًا عَلَى تَقْدِيمِ وَالِدِهِ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَضْمَرَ لَهُ الْغِشَّ وَالْعِصْيَانَ، وَكَانَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالْبَلَنْسِيِّ حَاضِرًا بِقُرْطُبَةَ عِنْدَ وَالِدِهِ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ جَدَّدَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْعَةَ لِأَخِيهِ هِشَامٍ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى عَلَى