اللَّبِنُ، وَطُبِخَ الْآجُرُّ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ابْتَدَأَ بِهِ مِنْهَا أَنَّهُ أَمَرَ بِخَطِّهَا بِالرَّمَادِ، فَدَخَلَهَا مِنْ أَبْوَابِهَا وَفُصْلَانِهَا وَطَاقَاتِهَا وَرِحَابِهَا وَهِيَ مَخْطُوطَةٌ بِالرَّمَادِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الرَّمَادِ حَبُّ الْقُطْنِ وَيُشْعَلَ بِالنَّارِ، فَفَعَلُوا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَهِيَ تَشْتَعِلُ، فَفَهِمَهَا وَعَرَفَ رَسْمَهَا، وَأَمَرَ أَنْ يُحْفَرَ الْأَسَاسُ عَلَى ذَلِكَ الرَّسْمِ.
وَوَكَّلَ بِهَا أَرْبَعَةً مِنَ الْقُوَّادِ، كُلُّ قَائِدٍ بِرُبْعٍ، وَوَكَّلَ أَبَا حَنِيفَةَ بِعَدَدِ الْآجُرِّ وَاللَّبِنِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ أَرَادَ أَبَا حَنِيفَةَ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ وَالْمَظَالِمَ، فَلَمْ يُجِبْ، فَحَلَفَ الْمَنْصُورُ أَنَّهُ لَا يُقْلِعُ عَنْهُ أَوْ يَعْمَلُ لَهُ. فَأَجَابَهُ إِلَى أَنْ يَنْظُرَ فِي عِمَارَةِ بَغْدَاذَ وَيَعُدَّ اللَّبِنَ وَالْآجُرَّ بِالْقَصَبِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ.
وَجَعَلَ الْمَنْصُورُ عَرْضَ أَسَاسِ السُّورِ مِنْ أَسْفَلِهِ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَمِنْ أَعْلَاهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَجَعَلَ فِي الْبِنَاءِ الْقَصَبَ وَالْخَشَبَ، وَوَضَعَ بِيَدِهِ أَوَّلَ لَبِنَةٍ، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَالْأَرْضُ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. ثُمَّ قَالَ: ابْنُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ.
فَلَمَّا بَلَغَ السُّورُ مِقْدَارَ قَامَّةٍ جَاءَ الْخَبَرُ بِظُهُورِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَطَعَ الْبِنَاءَ ثُمَّ أَقَامَ بِالْكُوفَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ حَرْبِ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَتَمَّ بِنَاءَهَا، وَأَقْطَعَ فِيهَا الْقَطَائِعَ لِأَصْحَابِهِ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَعَدَّ جَمِيعَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْمَدِينَةِ مِنْ خَشَبٍ وَسَاجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاسْتَخْلَفَ حِينَ يَشْخَصُ إِلَى الْكُوفَةِ عَلَى إِصْلَاحِ مَا أَعَدَّ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ، فَبَلَغَهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ هَزَمَ عَسْكَرَ الْمَنْصُورِ، فَأَحْرَقَ مَا كَانَ خَلَّفَهُ عَلَيْهِ الْمَنْصُورُ،
فَبَلَغَ الْمَنْصُورَ ذَلِكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَلُومُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَسْلَمُ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ إِبْرَاهِيمُ فَيَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا.
وَسَنَذْكُرُ كَيْفِيَّةَ بِنَائِهَا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.