وَكَانَ قَتْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى قَدْ هُزِمَ، فَقَالَ: كَلَّا، أَيْنَ لَعِبُ أَصْحَابِنَا وَصِبْيَانِنَا بِهَا عَلَى الْمَنَابِرِ، وَمَشُورَةُ النِّسَاءِ؟ مَا أَنَى لِذَلِكَ بَعْدُ! ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ مُحَمَّدًا هَرَبَ فَقَالَ: كَلَّا، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَفِرُّ. فَجَاءَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّءُوسُ.

وَلَمَّا وَصَلَ رَأْسُ مُحَمَّدٍ إِلَى الْمَنْصُورِ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَأَى الرَّأْسَ عَظُمَ عَلَيْهِ فَتَجَلَّدَ خَوْفًا مِنَ الْمَنْصُورِ، (وَقَالَ لِنَقِيبِ الْمَنْصُورِ: أَهُوَ؟ قَالَ: هُوَ فِلْذُهُمْ، وَقَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَا الرَّكَانَةَ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَعَلَ وَلَا قَالَ، وَإِلَّا فَأُمُّ مُوسَى طَالِقٌ) ، وَكَانَتْ غَايَةَ أَيْمَانِهِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ، وَكَانَتْ نَفْسُهُ أَكْرَمَ عَلَيْنَا مِنْ نَفْسِهِ، فَبَصَقَ بَعْضُ الْغِلْمَانِ فِي وَجْهِهِ، فَأَمَرَ الْمَنْصُورُ بِأَنْفِهِ فَكُسِرَ عُقُوبَةً لَهُ.

وَلَمَّا وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَتْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ بِالْبَصْرَةِ كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ، فَخَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَنَعَاهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَأَظْهَرَ الْجَزَعَ عَلَيْهِ، وَتَمَثَّلَ عَلَى الْمِنْبَرِ:

يَابَا الْمَنَازِلِ يَا خَيْرَ الْفَوَارِسِ مَنْ ... يُفْجَعْ بِمِثْلِكَ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ فُجِعَا

اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَوْ خَشِيتُهُمُ ... وَأَوْجَسَ الْقَلْبُ مِنْ خَوْفٍ لَهُمْ فَزَعَا

لَمْ يَقْتُلُوهُ وَلَمْ أُسْلِمْ أَخِي أَبَدًا ... حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَعِيشَ مَعَا.

وَلَمَّا قُتِلَ مُحَمَّدٌ أَرْسَلَ عِيسَى أَلْوِيَةً فَنُصِبَتْ فِي مَوَاضِعَ بِالْمَدِينَةِ وَنَادَى مُنَادِيهِ: مَنْ دَخَلَ تَحْتَ لِوَاءٍ مِنْهَا فَهُوَ آمِنٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015