جَنُوبِيَّةٌ، فَلِهَذَا كَانَتْ ظُلْمَةً، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعٌ إِلَّا وَتَطْلُعُ الشَّمْسُ عَلَيْهِ أَبَدًا. فَلَمَّا دَخَلَ الظُّلُمَاتِ أَخَذَ مَعَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَطْلُبُ عَيْنَ الْخُلْدِ، فَسَارَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَظْفَرْ بِهَا، وَكَانَ الْخَضِرُ عَلَى مَقْدَمَتِهِ، فَظَفِرَ بِهَا وَسَبَحَ فِيهَا وَشَرِبَ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَجَعَ إِلَى الْعِرَاقِ فَمَاتَ فِي طَرِيقِهِ بَشَهْرَزُورَ بِعِلَّةِ الْخَوَانِيقِ، وَكَانَ عُمُرُهُ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي قَوْلٍ، وَدُفِنَ فِي تَابُوتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ بِالْجَوَاهِرِ، وَطُلِيَ بِالصَّبْرِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ وَحُمِلَ إِلَى أُمِّهِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ.
وَكَانَ مُلْكُهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَتَلَ دَارَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِهِ. وَبَنَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَدِينَةً، مِنْهَا: أَصْبَهَانُ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا جَيُّ، وَمَدِينَةَ هَرَاةَ، وَمَرْوَ، وَسَمَرْقَنْدَ، وَبَنَى بِالسَّوَادِ مَدِينَةً لِرُوشَنْكَ ابْنَةِ دَارَا، وَبِأَرْضِ الْيُونَانِ مَدِينَةً، وَبِمِصْرَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ.
فَلَمَّا مَاتَ الْإِسْكَنْدَرُ طَافَ بِهِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْحُكَمَاءِ الْيُونَانِيِّينَ وَالْفُرْسِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ يَجْمَعُهُمْ وَيَسْتَرِيحُ إِلَى كَلَامِهِمْ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ: لِيَتَكَلَّمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِكَلَامٍ يَكُونُ لِلْخَاصَّةِ مُعَزِّيًا وَلِلْعَامَّةِ وَاعِظًا، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّابُوتِ، وَقَالَ: أَصْبَحَ آسِرُ الْأُسَرَاءِ أَسِيرًا. وَقَالَ آخَرُ: هَذَا الْمَلِكُ كَانَ يُخَبِّئُ الذَّهَبَ فَقَدْ صَارَ الذَّهَبُ يُخَبِّؤُهُ. وَقَالَ آخَرُ: مَا أَزْهَدَ النَّاسَ فِي هَذَا الْجَسَدِ وَمَا أَرْغَبَهُمْ فِي التَّابُوتِ. وَقَالَ آخَرُ: مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنَّ الْقَوِيَّ قَدْ غُلِبَ، وَالضُّعَفَاءَ لَاهُونَ مُغْتَرُّونَ. وَقَالَ آخَرُ: هَذَا الَّذِي جَعَلَ أَجَلَهُ ضَمَانًا وَجَعَلَ أَمَلَهُ عِيَانًا، هَلَّا بَاعَدْتَ مِنْ أَجَلِكَ لِتَبْلُغَ بَعْضَ أَمَلِكَ، بَلْ هَلَّا حَقَّقْتَ مِنْ أَمَلِكَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ فَوْتِ أَجْلِكَ.