وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَثَابِتِ الْبُنَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَرَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّائِغُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرُهُمَا.
خَطَبَ يَوْمًا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّوَادُ الَّذِي أَرَى عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، وَهَذِهِ ثِيَابُ الْهَيْبَةِ وَثِيَابُ الدَّوْلَةِ، يَا غُلَامُ اضْرِبْ عُنُقَهُ.
قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: أَبُو مُسْلِمٍ كَانَ خَيْرًا أَوِ الْحَجَّاجُ؟ قَالَ: لَا أَقُولُ إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ كَانَ خَيْرًا مِنْ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ شَرًّا مِنْهُ.
وَكَانَ أَبُو مُسْلِمٍ نَازِكًا شُجَاعًا ذَا رَأْيٍ وَعَقْلٍ وَتَدْبِيرٍ، وَحَزْمٍ وَمُرُوءَةٍ، وَقِيلَ لَهُ: بِمَ نِلْتَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنَ الْقَهْرِ لِلْأَعْدَاءِ؟ فَقَالَ: ارْتَدَيْتُ الصَّبْرَ، وَآثَرْتُ الْكِتْمَانَ، وَحَالَفْتُ الْأَحْزَانَ وَالْأَشْجَانَ، وَشَامَخْتُ الْمَقَادِيرَ وَالْأَحْكَامَ، حَتَّى بَلَغْتُ غَايَةَ هِمَّتِي، وَأَدْرَكْتُ نِهَايَةَ بُغْيَتِي.
ثُمَّ قَالَ:
قَدْ نِلْتُ بِالْحَزْمِ وَالْكِتْمَانِ مَا عَجَزَتْ عَنْهُ مُلُوكُ بَنِي سَاسَانَ إِذْ حَشَدُوا مَا زِلْتُ أَضْرِبُهُمْ بِالسَّيْفِ فَانْتَبَهُوا مِنْ رَقْدَةٍ لَمْ يَنَمْهَا قَبْلَهُمْ أَحَدُ طَفِقْتُ أَسْعَى عَلَيْهِمْ فِي دِيَارِهِمُ وَالْقَوْمُ فِي مُلْكِهِمْ بِالشَّامِ [قَدْ] رَقَدُوا وَمَنْ رَعَى غَنَمًا فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ وَنَامَ عَنْهَا تَوَلَّى رَعْيَهَا الْأَسَدُ
وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا مُسْلِمٍ وَرَدَ نَيْسَابُورَ عَلَى حِمَارٍ بِإِكَافٍ وَلَيْسَ مَعَهُ آدَمِيٌّ فَقَصَدَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي دَارًا لِفَاذُوسْيَانَ، فَدَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَفَزِعَ أَصْحَابُهُ وَخَرَجُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: