بِالنَّجَفِ وَحَبَسَهُمْ فِيهِ وَوَكَّلَ بِهِمْ، وَانْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي الْعَرَبِ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْهُمْ مُسْتَأْمِنِينَ، فَقَبِلَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ فَأَنْزَلَهُمُ السَّوَادَ، فَابْتَنَوُا الْأَنْبَارَ وَخَلَّى عَنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ فَاتَّخَذُوهَا مَنْزِلًا حَيَاةَ بُخْتُنَصَّرَ.
فَلَمَّا مَاتَ انْضَمُّوا إِلَى أَهْلِ الْأَنْبَارِ، وَهَذَا أَوَّلُ سُكْنَى الْعَرَبِ السَّوَادَ بِالْحِيرَةِ وَالْأَنْبَارِ. وَسَارَ إِلَى الْعَرَبِ بِنَجْدٍ وَالْحِجَازِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى بَرْخِيَّا وَإِرْمِيَا يَأْمُرُهُمَا أَنْ يَسِيرًا إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ فَيَأْخُذَاهُ وَيَحْمِلَاهُ إِلَى حَرَّانَ، وَأَعْلَمَهُمَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَسْلِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، فَسَارَا تُطْوَى لَهُمَا الْمَنَازِلُ وَالْأَرْضُ حَتَّى سَبَقَا بُخْتُنَصَّرَ إِلَى مَعَدٍّ فَحَمَلَاهُ إِلَى حَرَّانَ فِي سَاعَتِهِمَا، وَلِمَعَدٍّ حِينَئِذٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَسَارَ بُخْتُنَصَّرُ فَلَقِيَ جُمُوعَ الْعَرَبِ فَقَاتَلَهُمْ فَهَزَمَهُمْ وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَسَارَ إِلَى الْحِجَازِ فَجَمَعَ عَدْنَانُ الْعَرَبَ وَالْتَقَى هُوَ وَبُخْتُنَصَّرُ بِذَاتِ عِرْقٍ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ عَدْنَانُ وَتَبِعَهُ بُخْتُنَصَّرُ إِلَى حُصُونٍ هُنَاكَ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْعَرَبُ وَخَنْدَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ، فَكَمَّنَ بُخْتُنَصَّرُ كَمِينًا، وَهُوَ أَوَّلُ كَمِينٍ عُمِلَ، وَأَخَذَتْهُمُ السُّيُوفُ، فَنَادَوْهُ بِالْوَيْلِ، وَنَهَى عَدْنَانُ عَنْ بُخْتُنَصَّرَ، وَبُخْتُنَصَّرُ عَنْ عَدْنَانَ، فَافْتَرَقَا.
فَلَمَّا رَجَعَ بُخْتُنَصَّرُ خَرَجَ مَعَدُّ بْنُ عَدْنَانَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَأَقَامَ أَعْلَامَهَا، وَحَجَّ مَعَهُ الْأَنْبِيَاءُ، وَخَرَجَ مَعَدٌّ حَتَّى أَتَى رَيْسُوتَ وَسَأَلَ عَمَّنْ بَقِيَ مَنْ وَلَدِ الْحَرْثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: بَقِيَ جَوْشَمُ بْنُ جُلْهَمَةَ، فَتَزَوَّجَ مَعَدٌّ ابْنَتَهُ مُعَانَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ نِزَارَ بْنَ مَعَدٍّ.