وَشُجْعَانُ عَسْكَرِهِ مُجِدًّا، فَصَبَّحَ أَبَا الْخَطَّابِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَأَهِّبٍ لِلْحَرْبِ، فَوَضَعُوا السُّيُوفَ فِي الْخَوَارِجِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، فَقُتِلَ أَبُو الْخَطَّابِ وَعَامَّةُ أَصْحَابِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ.
وَظَنَّ ابْنُ الْأَشْعَثِ أَنَّ مَادَّةَ الْخَوَارِجِ قَدِ انْقَطَعَتْ، وَإِذَا [هُمْ] قَدْ أَطَلَّ عَلَيْهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ الزِّنَاتِيُّ فِي سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَقِيَهُمُ ابْنُ الْأَشْعَثِ وَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَتَبَ إِلَى الْمَنْصُورِ بِظَفَرِهِ، وَرَتَّبَ الْوُلَاةَ فِي الْأَعْمَالِ كُلِّهَا، وَبَنَى سُورَ الْقَيْرَوَانِ فِيهَا، وَتَمَّ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ، وَضَبَطَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَمْعَنَ فِي طَلَبِ كُلِّ مَنْ خَالَفَهُ مِنَ الْبَرْبَرِ (وَغَيْرِهِمْ، فَسَيَّرَ جَيْشًا إِلَى زَوِيلَةَ وَوَدَّانَ، فَافْتَتَحَ وَدَّانَ وَقَتَلَ مَنْ بِهَا مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ، وَافْتَتَحَ زَوِيلَةَ وَقَتَلَ مُقَدِّمَهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِنَانٍ الْإِبَاضِيَّ وَأَجْلَى الْبَاقِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْبَرْبَرُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَبَثِ وَالْخِلَافِ عَلَى الْأُمَرَاءِ ذَلِكَ) خَافُوهُ خَوْفًا شَدِيدًا وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ. فَثَارَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ جُنْدِهِ يُقَالُ لَهُ هَاشِمُ بْنُ الشَّاحِجِ بِقَمُونِيَةَ، وَتَبِعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُنْدِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَشْعَثِ قَائِدًا فِي عَسْكَرٍ، فَقَتَلَهُ هَاشِمٌ وَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَجَعَلَ الْمُضَرِيَّةُ مِنْ قُوَّادِ ابْنِ الْأَشْعَثِ يَأْمُرُونَ أَصْحَابَهُمْ بِاللَّحَاقِ بِهَاشِمٍ كَرَاهِيَةً لِابْنِ الْأَشْعَثِ لِأَنَّهُ تَعَصَّبَ عَلَيْهِمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَشْعَثِ جَيْشًا آخَرَ، فَاقْتَتَلُوا وَانْهَزَمَ هَاشِمٌ وَلَحِقَ بِتَاهَرْتَ، وَجَمَعَ طَغَامَ الْبَرْبَرِ، فَبَلَغَتْ عِدَّةُ عَسْكَرِهِ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى تَهُوذَةَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْأَشْعَثِ جَيْشًا، فَانْهَزَمَ هَاشِمٌ وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَرْبَرِ وَغَيْرِهِمْ، فَسَارَ إِلَى نَاحِيَةِ طَرَابُلُسَ.
وَقَدِمَ رَسُولٌ مِنَ الْمَنْصُورِ إِلَى هَاشِمٍ يَلُومُهُ عَلَى مُفَارَقَةِ الطَّاعَةِ، فَقَالَ: مَا خَالَفْتُ وَلَكِنِّي دَعَوْتُ لِلْمَهْدِيِّ بَعْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْكَرَ ابْنُ الْأَشْعَثِ ذَلِكَ وَأَرَادَ قَتْلِي. فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ: فَإِنْ كُنْتَ عَلَى الطَّاعَةِ فَمُدَّ عُنُقَكَ. فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، وَبَذَلَ الْأَمَانَ لِأَصْحَابِ هَاشِمٍ جَمِيعِهِمْ فَعَادُوا.
وَتَبِعَهُمُ ابْنُ الْأَشْعَثِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلَهُمْ، فَغَضِبَ الْمُضَرِيَّةُ وَاجْتَمَعَتْ عَلَى عَدَاوَتِهِ وَخِلَافِهِ، وَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى إِخْرَاجِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ سَارَ عَنْهُمْ، وَلَقِيَتْهُ رُسُلُ الْمَنْصُورِ بِالْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعْمَلَ الْمُضَرِيَّةُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ بَعْدَهُ عِيسَى بْنَ مُوسَى