صِدْقِيَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَنْجَاهُ مِنْ عَدُوِّهِ سَنْحَارِيبَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ زَالَ عَنْهُ الْأَلَمُ وَجَاءَتْهُ الصِّحَّةُ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَى عَسَاكِرِ سَنْحَارِيبَ مَلَكًا صَاحَ بِهِمْ فَمَاتُوا غَيْرَ سِتَّةِ نَفَرٍ، مِنْهُمْ: سَنْحَارِيبُ، وَخَمْسَةٌ مِنْ كُتَّابِهِ، أَحَدُهُمْ بُخْتُنَصَّرُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. فَخَرَجَ صِدْقِيَةُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ فَغَنِمُوا مَا فِيهِ وَالْتَمَسُوا سَنْحَارِيبَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَرْسَلَ الطَّلَبَ فِي أَثَرِهِ فَوَجَدُوهُ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَأَخَذُوهُمْ وَقَيَّدُوهُمْ وَحَمَلُوهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِسَنْحَارِيبَ: كَيْفَ رَأَيْتَ صُنْعَ رَبِّنَا بِكَ؟ فَقَالَ: قَدْ أَتَانِي خَبَرُ رَبِّكُمْ وَنَصْرَهُ إِيَّاكُمْ فَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ، فَطَافَ بِهِمْ حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ سَجَنَهُمْ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى شَعْيَا يَأْمُرُ الْمَلِكَ بِإِطْلَاقِ سَنْحَارِيبَ وَمَنْ مَعَهُ، فَأَطْلَقَهُمْ، فَعَادُوا إِلَى بَابِلَ وَأَخْبَرَهُمْ قَوْمُهُمْ بِمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ وَبِعَسَاكِرِهِمْ، وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَارَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ سَنْحَارِيبَ مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ بَابِلَ يُقَالُ لَهُ كَفْرُو، وَكَانَ بُخْتُنَصَّرُ ابْنَ عَمِّهِ وَكَاتِبَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا فَأَهْلَكَتْ جَيْشَهُ وَأَفْلَتَ هُوَ وَكَاتِبُهُ، وَأَنَّ هَذَا الْبَابِلِيَّ قَتَلَهُ ابْنٌ لَهُ، وَأَنَّ بُخْتُنَصَّرَ غَضِبَ لِصَاحِبِهِ فَقَتَلَ ابْنَهُ الَّذِي قَتَلَهُ، وَأَنَّ سَنْحَارِيبَ سَارَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ مُلْكُهُ بِنِينَوَى وَغَزَا مَعَ مَلِكِ أَذْرَبِيجَانَ يَوْمَئِذٍ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ ثُمَّ اخْتَلَفَ سَنْحَارِيبُ وَمَلِكُ أَذْرَبِيجَانَ وَتَحَارَبَا حَتَّى تَفَانَى عَسْكَرُهُمَا، فَخَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَغَنِمُوا مَا مَعَهُمْ.
وَقِيلَ: كَانَ مُلْكُ سَنْحَارِيبَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ مَلِكُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي حَصَرَهُ سَنْحَارِيبُ حِزْقِيَّا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ حِزْقِيَّا مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ مَنْشَى خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً.