103 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ اسْتِعْمَالِ سَعِيدٍ الْحَرَشِيِّ عَلَى خُرَاسَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ سَعِيدَ خُذَيْنَةَ عَنْ خُرَاسَانَ، وَكَانَ سَبَبُ عَزْلِهِ أَنَّ الْمُجَشِّرَ بْنَ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيَّ قَدِمَا عَلَى عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ فَشَكَوَاهُ، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَمْرٍو الْحَرَشِيَّ، (بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ، مِنْ بَنِي الْحَرِيشِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ) . وَكَانَ خُذَيْنَةُ [غَازِيًا] بِبَابِ سَمَرْقَنْدَ، فَبَلَغَهُ عَزْلُهُ، وَخَلَّفَ بِسَمَرْقَنْدَ أَلْفَ رَجُلٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ هُبَيْرَةَ كَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَسْمَاءِ مَنْ أَبْلَى يَوْمَ الْعَقْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَعِيدًا الْحَرَشِيَّ، فَقَالَ يَزِيدُ: لِمَ لَمْ يَذْكُرِ الْحَرَشِيَّ؟ وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنْ وَلِّ الْحَرَشِيَّ خُرَاسَانَ، فَوَلَّاهُ، فَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمُجَشِّرَ بْنَ مُزَاحِمٍ السُّلَمِيَّ، فَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ:
فَهَلْ مِنْ مُبْلِغٍ فِتْيَانَ قَوْمِي ... بِأَنَّ النَّبْلَ رِيشَتْ كُلَّ رَيْشِ
وَأَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَ مِنْ سَعِيدٍ ... سَعِيدًا لَا الْمُخَنَّثَ مِنْ قُرَيْشِ
وَقَدِمَ سَعِيدٌ الْحَرَشِيُّ خُرَاسَانَ، فَلَمْ يَعْرِضْ لِعُمَّالِ خُذَيْنَةَ، وَقَرَأَ رَجُلٌ عَهْدَهُ فَلَحَنَ فِيهِ، فَقَالَ: صَهٍ، مَهْمَا سَمِعْتُمْ فَهُوَ مِنَ الْكَاتِبِ، وَالْأَمِيرُ مِنْهُ بَرِيءٌ. وَلَمَّا قَدِمَ الْحَرَشِيُّ خُرَاسَانَ كَانَ النَّاسُ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، وَكَانُوا قَدْ نَكَبُوا، فَخَطَبَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ بِكَثْرَةٍ وَلَا بِعُدَّةٍ، وَلَكِنْ بِنْصِرِ اللَّهِ وَعِزِّ الْإِسْلَامِ، فَقُولُوا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الْعَلِيِّ] الْعَظِيمِ، وَقَالَ:
فَلَسْتُ لِعَامِرٍ إِنْ لَمْ تَرَوْنِي ... أَمَامَ الْخَيْلِ أَطْعَنُ بِالْعَوَالِي