بَلَغَنِي أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمْ يَكُنْ عَهِدَ لِأَحَدٍ، فَخِفْتُ عَلَى الْأَمْوَالِ أَنْ تُنْهَبَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ بَايَعْتَ وَقُمْتَ بِالْأَمْرِ لَمْ أُنَازِعْكَ فِيهِ وَلَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي. فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ وَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ غَيْرُكَ، وَبَايَعَهُ، وَكَانَ يُرْجَى لِسُلَيْمَانَ بِتَوْلِيَتِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَتَرْكِ وَلَدِهِ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْبَيْعَةُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنْ أَرَدْتِ صُحْبَتِي فَرُدِّي مَا مَعَكِ مِنْ مَالٍ وَحُلِيٍّ وَجَوْهَرٍ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَهُمْ، فَإِنِّي لَا أَجْتَمِعُ أَنَا وَأَنْتِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ. فَرَدَّتْهُ جَمِيعَهُ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ وَوَلِيَ أَخُوهَا يَزِيدُ رَدَّهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ عُمَرَ ظَلَمَكِ. قَالَتْ: كَلَّا وَاللَّهِ. وَامْتَنَعَتْ مِنْ أَخْذِهِ، وَقَالَتْ: مَا كُنْتُ أُطِيعُهُ حَيًّا وَأَعْصِيهِ مَيِّتًا. فَأَخَذَهُ يَزِيدُ وَفَرَّقَهُ عَلَى أَهْلِهِ.
ذِكْرُ تَرْكِ سَبِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ
كَانَ بَنُو أُمَيَّةَ يَسُبُّونَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى أَنْ وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخِلَافَةَ، فَتَرَكَ ذَلِكَ وَكَتَبَ إِلَى الْعُمَّالِ فِي الْآفَاقِ بِتَرْكِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ مَحَبَّتِهِ عَلِيًّا أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ أَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ وَكُنْتُ أَلْزَمُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَبَلَغَهُ عَنِّي شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُهُ يَوْمًا وَهُوَ يُصَلِّي، فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، فَقَعَدْتُ أَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي: مَتَى عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بَعْدَ أَنْ رَضِيَ عَنْهُمْ؟ قُلْتُ: لَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ. قَالَ: فَمَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكَ فِي عَلِيٍّ؟ فَقُلْتُ: مَعْذِرَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ! وَتَرَكْتُ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي إِذَا خَطَبَ فَنَالَ مِنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَلَجْلَجَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَهْ، إِنَّكَ تَمْضِي فِي خُطْبَتِكَ فَإِذَا أَتَيْتَ عَلَى ذِكْرِ عَلِيٍّ عَرَفْتُ مِنْكَ تَقْصِيرًا؟ قَالَ: أَوَفَطِنْتَ لِذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الَّذِينَ حَوْلَنَا لَوْ يَعْلَمُونَ مِنْ عَلِيٍّ مَا نَعْلَمُ تَفَرَّقُوا عَنَّا إِلَى أَوْلَادِهِ.
فَلَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا مَا يَرْتَكِبُ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ