قِيلَ: وَشَهِدَ سُلَيْمَانُ جِنَازَةً بِدَابِقٍ، فَدُفِنَتْ فِي حَقْلٍ، فَجَعَلَ سُلَيْمَانَ يَأْخُذُ مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ وَيَقُولُ: مَا أَحْسَنَ هَذِهِ [التُّرْبَةَ] وَأَطْيَبَهَا! فَمَا أَتَى عَلَيْهِ جُمُعَةٌ حَتَّى دُفِنَ إِلَى جَنْبِ [ذَلِكَ] الْقَبْرِ.
قِيلَ: حَجَّ سُلَيْمَانُ وَحَجَّ الشُّعَرَاءُ، فَلَمَّا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَافِلًا تَلَقَّوْهُ بِنَحْوِ أَرْبَعِمِائَةِ أَسِيرٍ مِنَ الرُّومِ، فَقَعَدَ سُلَيْمَانُ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَدَّمَ بِطْرِيقَهُمْ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اضْرِبْ عُنُقَهُ! فَأَخَذَ سَيْفًا مِنْ حَرَسِيٍّ فَضَرَبَهُ، فَأَبَانَ الرَّأْسَ، وَأَطَنَّ السَّاعِدَ وَبَعْضَ الْغُلِّ، وَدَفَعَ الْبَقِيَّةَ إِلَى الْوُجُوهِ يَقْتُلُونَهُمْ، وَدَفَعَ إِلَى جَرِيرٍ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَعْطَاهُ بَنُو عَبْسٍ سَيْفًا جَيِّدًا، فَضَرَبَهُ فَأَبَانَ رَأْسَهُ، وَدَفَعَ إِلَى الْفَرَزْدَقِ أَسِيرًا فَأَعْطَوْهُ سَيْفًا رَدِيًّا لَا يَقْطَعُ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَسِيرَ ضَرَبَاتٍ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَضَحِكَ سُلَيْمَانُ وَالْقَوْمُ، وَشَمِتَتْ بِهِ بَنُو عَبْسٍ أَخْوَالُ سُلَيْمَانَ، وَأَلْقَى السَّيْفَ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَإِنْ يَكُ سَيْفٌ خَانَ أَوْ قَدَرٌ أَتَى ... بِتَأْخِيرِ نَفْسٍ حَتْفُهَا غَيْرُ شَاهِدِ
فَسَيْفُ بَنِي عَبْسٍ وَقَدْ ضَرَبُوا بِهِ ... نَبَا بِيَدَيْ وَرْقَاءَ عَنْ رَأْسِ خَالِدِ
كَذَاكَ سُيُوفُ الْهِنْدِ تَنْبُو ظُبَاتُهَا ... وَتَقْطَعُ أَحْيَانًا مَنَاطَ الْقَلَائِدِ
وَرْقَاءُ هُوَ وَرْقَاءُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ الْعَبْسِيُّ، ضَرَبَ خَالِدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ، وَخَالِدٌ قَدْ أَكَبَّ عَلَى [أَبِيهِ] زُهَيْرٍ وَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَصَرَعَهُ، فَأَقْبَلَ وَرْقَاءُ فَضَرَبَ خَالِدًا ضَرَبَاتٍ، فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَقَالَ وَرْقَاءُ بْنُ زُهَيْرٍ:
رَأَيْتُ زُهَيْرًا تَحْتَ كَلْكَلِ خَالِدٍ ... فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى كَالْعُجُولِ أُبَادِرُ
فَشُلَّتْ يَمِينِي يَوْمَ أَضْرِبُ خَالِدًا ... وَيَمْنَعُهُ مِنِّي الْحَدِيدُ الْمُظَاهَرُ