لَقَدْ بَاعَ شَهْرٌ دِينَهُ بِخَرِيطَةٍ ... فَمَنْ يَأْمَنِ الْقُرَّاءَ بِعْدَكَ يَا شَهْرُ
وَقَالَ مُرَّةُ الْحَنَفِيُّ:
يَا ابْنَ الْمُهَلَّبِ مَا أَرَدْتَ إِلَى امْرِئٍ ... لَوْلَاكَ كَانَ كَصَالِحِ الْقُرَّاءِ
وَأَصَابَ يَزِيدُ بِجُرْجَانَ تَاجًا فِيهِ جَوْهَرٌ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَحَدًا يَزْهَدُ فِي هَذَا؟ قَالُوا: لَا. فَدَعَا مُحَمَّدَ بْنَ وَاسِعٍ الْأَزْدِيَّ فَقَالَ: خُذْ هَذَا التَّاجَ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ. قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ. فَأَخَذَهُ، فَأَمْرَ يَزِيدُ رَجُلًا يَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ بِهِ، فَلَقِيَ سَائِلًا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ السَّائِلَ وَأَتَى بِهِ يَزِيدَ وَأَخْبَرَهُ، فَأَخَذَ يَزِيدُ التَّاجَ وَعَوَّضَ السَّائِلَ مَالًا كَثِيرًا.
ذِكْرُ فَتَحِ جُرْجَانَ الْفَتْحَ الثَّانِي
قَدْ ذَكَرْنَا فَتْحَ جُرْجَانَ وَقُهِسْتَانَ وَغَدْرَ أَهْلِ جُرْجَانَ، فَلَمَّا صَالَحَ يَزِيدُ أَصْبَهْبَذَ طَبَرِسْتَانَ سَارَ إِلَى جُرْجَانَ، وَعَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى لَئِنْ ظَفِرَ بِهِمْ لَا يَرْفَعُ السَّيْفَ حَتَّى يَطْحَنَ بِدِمَائِهِمْ، وَيَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الطَّحِينِ. فَأَتَاهَا وَحَصَرَ أَهْلَهَا بِحِصْنِ فَجَاهْ وَمَنْ يَكُونُ بِهَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عُدَّةٍ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فَحَصَرَهُمْ يَزِيدُ فِيهَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَهُمْ يَخْرُجُونَ إِلَيْهِ فِي الْأَيَّامِ فَيُقَاتِلُونَهُ وَيَرْجِعُونَ.
فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عَجَمِ خُرَاسَانَ يَتَصَيَّدُ، وَقِيلَ: رَجُلٌ مِنْ طَيْءٍ، فَأَبْصَرَ وَعْلًا فِي الْجَبَلِ، وَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى هَجَمَ عَلَى عَسْكَرِهِمْ، فَرَجَعَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَصْحَابَهُ، وَجَعَلَ يُخَرِّقُ قَبَاءَهُ وَيَعْقِدُ عَلَى الشَّجَرِ عَلَامَاتٍ، فَأَتَى يَزِيدَ فَأَخْبَرَهُ، فَضَمِنَ لَهُ يَزِيدُ دِيَةً إِنْ دَلَّهُمْ عَلَى الْحِصْنِ، فَانْتَخَبَ مَعَهُ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ ابْنَهُ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ غُلِبْتَ عَلَى الْحَيَاةِ فَلَا تُغْلَبَنَّ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِيَّاكَ أَنْ أَرَاكَ عِنْدِي مَهْزُومًا. وَضَمَّ إِلَيْهِ جَهْمَ بْنَ زَحْرٍ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: مَتَى تَصِلُونَ؟ قَالَ: غَدًا الْعَصْرُ. قَالَ يَزِيدُ: سَأَجْهَدُ عَلَى مُنَاهَضَتِهِمْ عِنْدَ الظُّهْرِ.
فَسَارُوا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَقْتَ الظُّهْرِ أَحْرَقَ يَزِيدُ كُلَّ حَطَبٍ كَانَ عِنْدَهُمْ، فَصَارَ مِثْلَ الْجِبَالِ مِنَ النِّيرَانِ، فَنَظَرَ الْعَدُوُّ إِلَى النِّيرَانِ فَهَالَهُمْ ذَلِكَ فَخَرَجُوا إِلَيْهِمْ، وَتَقَدَّمَ يَزِيدُ إِلَيْهِمْ