فَسَقَى بِقَرْيَةَ حَيْثُ أَمْسَى قَبْرُهُ
غُرٌّ يَرُحْنَ بِمُسْبِلٍ هَطَّالِ ... بَكَتِ الْجِيَادُ الصَّافِنَاتُ لِفَقْدِهِ
وَبَكَاهُ كُلُّ مُثَقَّفٍ عَسَّالِ ... وَبَكَتْهُ شُعْثٌ لَمْ يَجِدْنَ مُوَاسِيًا
فِي الْعَامِ ذِي السَّنَوَاتِ وَالْإِمْحَالِ
وَوَصْلَ الْخَبَرُ إِلَى قُتَيْبَةَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ بِمَوْتِ الْوَلِيدِ.
وَكَانَ قُتَيْبَةُ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزَاتِهِ كُلَّ سَنَةٍ اشْتَرَى اثْنَيْ عَشَرَ فَرَسًا وَاثْنَيْ عَشَرَ هَجِينًا، فَتَحَدَّرَ إِلَى وَقْتِ الْغَزْوِ، فَإِذَا تَأَهَّبَ لِلْغَزْوِ ضَمَّرَهَا وَحَمَلَ عَلَيْهَا الطَّلَائِعَ، وَكَانَ يَجْعَلُ الطَّلَائِعَ فُرْسَانَ النَّاسِ وَأَشْرَافَهُمْ وَمَعَهُمْ مِنَ الْعَجَمِ مَنْ يَسْتَنْصِحُهُ، وَإِذَا بَعَثَ طَلِيعَةً أَمَرَ بِلَوْحٍ فَنُقِشَ، ثُمَّ شَقَّهُ بِنِصْفَيْنِ، وَجَعَلَ شِقَّةً عِنْدَهُ، وَيُعْطِي نِصْفَهُ الطَّلِيعَةَ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْفِنُوهُ فِي مَوْضِعٍ يَصِفُهُ لَهُمْ مِنْ شَجَرَةٍ أَوْ مَخَاضَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ يَبْعَثُ بَعْدَ الطَّلِيعَةِ مَنْ يَسْتَخْرِجُهُ لِيَعْلَمَ أَصْدَقَتِ الطَّلِيعَةُ أَمْ لَا.
وَفِيهَا غَزَا بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ الشَّاتِيَةَ وَرَجَعَ وَقَدْ مَاتَ الْوَلِيدُ.
ذِكْرُ مَوْتِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ
وَفِي النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ مَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ تِسْعَ سِنِينَ وَسَبْعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: تِسْعَ سِنِينَ وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِدَيْرِ مُرَّانَ، وَدُفِنَ خَارِجَ الْبَابِ الصَّغِيرِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ عُمُرُهُ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: كَانَ عُمُرُهُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَقِيلَ: تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ. وَخَلَّفَ تِسْعَةَ عَشَرَ ابْنًا، وَكَانَ دَمِيمًا يَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهِ، وَكَانَ سَائِلَ الْأَنْفِ جِدًّا، فَقِيلَ فِيهِ: