إِنَّ لِي عِنْدَ أَقْوَامٍ مَالًا، فَمَنْ كَانَ لِي عِنْدَهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ، وَهُوَ مِنْهُ فِي حِلٍّ، فَلَا يُؤَدِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ دِرْهَمًا، لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَأَمَرَ بِهِ الْحَجَّاجُ فَقُتِلَ.
وَأَمَرَ بِقَتْلِ عُمَرَ بْنِ أَبِي قُرَّةَ الْكِنْدِيِّ، وَكَانَ شَرِيفًا، وَأَمَرَ بِإِحْضَارِ أَعْشَى هَمْدَانَ، فَقَالَ: إِيهِ عَدُوَّ اللَّهِ! أَنْشِدْنِي قَوْلَكَ بَيْنَ الْأَشَجِّ وَبَيْنَ قَيْسٍ. قَالَ: بَلْ أُنْشِدُكَ مَا قُلْتُ لَكَ. قَالَ: بَلْ أَنْشِدْنِي هَذِهِ. فَأَنْشَدَهُ:
أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتَمِّمَ نُورَهُ ... وَيُطْفِئَ نَارَ الْفَاسِقِينَ فَتَخْمُدَا
وَيُظْهِرَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ ... وَيُعْدِلَ وَقْعَ السَّيْفِ مَنْ كَانَ أَصْيَدَا
وَيُنْزِلَ ذُلًّا بِالْعِرَاقِ وَأَهْلِهِ ... لِمَا نَقَضُوا الْعَهْدَ الْوَثِيقَ الْمُؤَكَّدَا
وَمَا أَحْدَثُوا مِنْ بِدْعَةٍ وَعَظِيمَةٍ ... مِنَ الْقَوْلِ لَمْ تَصْعَدْ إِلَى اللَّهِ مَصْعَدَا
وَمَا نَكَثُوا مِنْ بَيْعَةٍ بَعْدَ بَيْعَةٍ ... إِذَا ضَمِنُوهَا الْيَوْمَ خَاسُوا بِهَا غَدَا
وَجُبْنًا حَشَاهُ رَبُّهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ ... فَمَا يَقْرَبُونَ النَّاسَ إِلَّا تَهَدُّدَا
فَلَا صِدْقَ فِي قَوْلٍ وَلَا صَبْرَ ... عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّ فَخْرًا فِيهِمُ وَتَزَيُّدَا
فَكَيْفَ رَأَيْتَ اللَّهَ فَرَّقَ جَمْعَهَمْ ... وَمَزَّقَهُمْ عَرْضَ الْبِلَادِ وَشَرَّدَا
فَقَتْلَاهُمُ قَتْلَى ضَلَالٍ وَفِتْنَةٍ ... وَجَيْشُهُمْ أَمْسَى ذَلِيلًا مُطَرَّدَا
وَلَمَّا زَحَفْنَا لِابْنِ يُوسُفَ غُدْوَةً ... وَأَبْرَقَ مِنْهُ الْعَارِضَانِ وَأَرْعَدَا
قَطَعْنَا إِلَيْهِ الْخَنْدَقَيْنِ وَإِنَّمَا ... قَطَعْنَا وَأَفْضَيْنَا إِلَى الْمَوْتِ مُرْصِدَا
فَكَافَحَنَا الْحَجَّاجُ دُونَ صُفُوفِنَا ... كِفَاحًا وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ مَوْعِدَا