قَدِ اسْتُخْلِفَ عَلَيْكُمْ يَزِيدُ فَلَا تُخَالِفُوهُ. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ الْمُفَضَّلُ: لَوْ لَمْ تُقَدِّمْهُ لَقَدَّمْنَاهُ.
وَأَحْضَرَ وَلَدَهُ فَوَصَّاهُمْ، وَأَحْضَرَ سِهَامًا فَحُزِّمَتْ، فَقَالَ: أَتَكْسِرُونَهَا مُجْتَمِعَةً؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتَكْسِرُونَهَا مُتَفَرِّقَةً؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَهَكَذَا الْجَمَاعَةُ. ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ ; فَإِنَّهَا تُنْسِئُ فِي الْأَجَلِ، وَتُثْرِي الْمَالَ، وَتُكْثِرُ الْعَدَدَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْقَطِيعَةِ ; فَإِنَّهَا تُعْقِبُ النَّارَ وَالْقِلَّةَ وَالذِّلَّةَ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلْيَكُنْ فِعَالُكُمْ أَفْضَلَ مِنْ مَقَالِكُمْ، وَاتَّقُوا الْجَوَابَ وَزِلَّةَ اللِّسَانِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ تَزِلُّ قَدَمُهُ فَيَنْتَعِشُ مِنْهَا، وَيَزِلُّ لِسَانُهُ فَيَهْلِكُ، اعْرَفُوا لِمَنْ يَغْشَاكُمْ حَقَّهُ، فَكَفَى بِغُدُوِّ الرَّجُلِ وَرَوَاحِهِ إِلَيْكُمْ تَذْكِرَةً لَهُ، وَآثِرُوا الْجُودَ عَلَى الْبُخْلِ، وَأَحْيُوا الْعُرْفَ، وَاصْنَعُوا الْمَعْرُوفَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ تَعِدُهُ الْعِدَةَ، فَيَمُوتُ دُونَكَ، فَكَيْفَ بِالصَّنِيعَةِ عِنْدَهُ! عَلَيْكُمْ فِي الْحَرْبِ بِالتُّؤَدَةِ وَالْمَكِيدَةِ، فَإِنَّهَا أَنْفَعُ مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَإِذَا كَانَ اللِّقَاءُ نَزَلَ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَخَذَ الرَّجُلُ بِالْحَزْمِ فَظَفِرَ قِيلَ: أَتَى الْأَمْرَ مِنْ وَجْهِهِ فَظَفِرَ، فَحُمِدَ، وَإِنْ لَمْ يَظْفَرْ قِيلَ: مَا فَرَّطَ وَلَا ضَيَّعَ وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ غَالِبٌ، وَعَلَيْكُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِ السُّنَنِ وَأَدَبِ الصَّالِحِينَ، وَإِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْكَلَامِ فِي مَجَالِسِكُمْ. ثُمَّ مَاتَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ التَّمِيمِيُّ يَرْثِيهِ: أَلَا ذَهَبَ الْمَعْرُوفُ وَالْعِزُّ وَالْغِنَى وَمَاتَ النَّدَى وَالْجُودُ بَعْدَ الْمُهَلَّبِ أَقَامَ بِمَرْوِ الرُّوذِ رَهْنَ ضَرِيحِهِ وَقَدْ غَابَ عَنْهُ كُلُّ شَرْقٍ وَمَغْرِبِ إِذَا قِيلَ أَيُّ النَّاسِ أَوْلَى بِنِعْمَةٍ عَلَى النَّاسِ؟ قُلْنَا هُوَ وَلَمْ نَتَهَيَّبِ
فَلَمَّا تُوُفِّيَ كَتَبَ ابْنُهُ يَزِيدُ إِلَى الْحَجَّاجِ يُعْلِمُهُ بِوَفَاتِهِ، فَأَقَرَّ يَزِيدَ عَلَى خُرَاسَانَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ عَنِ الْمَدِينَةِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ،