وَهُبُّوا فَلَوْ أَمْسَى بُكَيْرٌ كَعَهْدِهِ
لَغَادَاهُمُ زَحْفًا بِجَأْوَاءَ فَيْلَقِ
وَقَالَ أَيْضًا:
فَلَوْ كَانَ بَكْرٌ بَارِزًا فِي أَدَاتِهِ ... وَذِي الْعَرْشِ لَمْ يُقْدِمْ عَلَيْهِ بَحِيرُ
فَفِي الدَّهْرِ إِنْ أَبْقَانِيَ الدَّهْرُ مَطْلَبٌ ... وَفِي اللَّهِ طَلَّابٌ بِذَاكَ جَدِيرُ
فَبَلَغَ بَحِيرًا أَنَّ رَهْطَ بُكَيْرٍ مِنَ الْأَبْنَاءِ يَتَوَعَّدُونَهُ فَقَالَ: تَوَعَّدَنِي الْأَبْنَاءُ جَهْلًا كَأَنَّمَا يَرَوْنَ فِنَائِي مُقْفِرًا مِنْ بَنِي كَعْبِ رَفَعْتُ لَهُ كَفِّي بِعَضْبٍ مُهَنَّدٍ حُسَامٍ كَلَوْنِ الثَّلْجِ ذِي رَوْنَقٍ عَضْبِ
فَتَعَاقَدَ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَوْفٍ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ بُكَيْرٍ، فَخَرَجَ فَتًى مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ شَمَرْدَلٌ مِنَ الْبَادِيَةِ حَتَّى قَدِمَ خُرَاسَانَ فَرَأَى بَحِيرًا وَاقِفًا فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ فَصَرَعَهُ، وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: خَارِجِيٌّ، وَرَاكَضَهُمْ، فَعَثَرَ بِهِ فَرَسُهُ، فَسَقَطَ عَنْهُ فَقُتِلَ.
وَخَرَجَ صَعْصَعَةُ بْنُ حَرْبٍ الْعَوْفِيُّ مِنَ الْبَادِيَةِ، وَقَدْ بَاعَ غُنَيْمَاتٍ لَهُ وَمَضَى إِلَى سِجِسْتَانَ، فَجَاوَرَ قَرَابَةً لِبَحِيرٍ مُدَّةً، وَادَّعَى إِلَى بَنِي حَنِيفَةَ مِنَ الْيَمَامَةِ، وَأَطَالَ مُجَالَسَتَهُمْ حَتَّى أَنِسُوا بِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: إِنَّ لِي بِخُرَاسَانَ مِيرَاثًا، فَاكْتُبُوا لِي إِلَى بَحِيرٍ كِتَابًا لِيُعِينَنِي عَلَى حَقِّي. فَكَتَبُوا لَهُ، وَسَارَ فَقَدِمَ عَلَى بَحِيرٍ وَهُوَ مَعَ الْمُهَلَّبِ فِي غَزْوَتِهِ، فَلَقِيَ قَوْمًا مِنْ بَنِي عَوْفٍ، فَأَخْبَرَهُمْ أَمْرَهُ، وَلَقِيَ بَحِيرًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَنَّ لَهُ مَالًا بِسِجِسْتَانَ وَمِيرَاثًا بِمَرْوَ، وَقَدِمَ لِيَبِيعَهُ وَيَعُودَ إِلَى الْيَمَامَةِ. فَأَنْزَلَهُ بَحِيرٌ وَأَمَرَ لَهُ بِنَفَقَةٍ وَوَعَدَهُ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ: أُقِيمُ عِنْدَكَ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ. فَأَقَامَ شَهْرًا يَحْضَرُ مَعَهُ بَابَ الْمُهَلَّبِ، وَكَانَ بَحِيرٌ قَدْ حَذِرَ، فَلَمَّا أَتَاهُ صَعْصَعَةُ بِكِتَابِ أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ حَنِيفَةَ، آمَنَهُ.