أَرَى أَنْ تَقْتُلُوهُ، وَهُوَ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ فِيكُمْ. فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَافُ.

وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عَسْكَرِهِمْ يَعْمَلُ النُّصُولَ الْمَسْمُومَةَ، فَيَرْمِي بِهَا أَصْحَابَ الْمُهَلَّبِ، فَشَكَا أَصْحَابُهُ مِنْهَا، فَقَالَ: أَكْفِيكُمُوهُ، فَوَجَّهَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ كِتَابٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهُ فِي عَسْكَرِ قَطَرِيٍّ وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْكِتَابُ إِلَى قَطَرِيٍّ، فَرَأَى فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ نِصَالَكَ وَصَلَتْ، وَقَدْ أَنْفَذْتُ إِلَيْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. فَأَحْضَرَ الصَّانِعَ فَسَأَلَهُ فَجَحَدَ، فَقَتَلَهُ قَطَرِيٌّ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عَبْدُ رَبِّهُ الْكَبِيرُ قَتْلَهُ، وَاخْتَلَفُوا.

ثُمَّ وَضَعَ الْمُهَلَّبُ رَجُلًا نَصْرَانِيًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْصِدَ قَطَرِيًّا وَيَسْجُدَ لَهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْخَوَارِجُ: إِنَّ هَذَا قَدِ اتَّخَذَكَ إِلَهًا. وَوَثَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فَقَتَلَهُ، فَزَادَ اخْتِلَافُهُمْ، وَفَارَقَ بَعْضُهُمْ قَطَرِيًّا، ثُمَّ وَلُّوا عَبْدَ رَبِّهِ الْكَبِيرَ وَخَلَعُوا قَطَرِيًّا، وَبَقِيَ مَعَ قَطَرِيٍّ مِنْهُمْ نَحْوٌ مِنْ رُبْعِهِمْ أَوْ خُمُسِهِمْ، وَاقْتَتَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ نَحْوًا مِنْ شَهْرٍ.

وَكَتَبَ الْمُهَلَّبُ إِلَى الْحَجَّاجِ بِذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَأْمُرُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ عَلَى حَالِ اخْتِلَافِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُهَلَّبُ: إِنِّي لَسْتُ أَرَى أَنْ أُقَاتِلَهُمْ مَا دَامَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَإِنْ تَمُّوا عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي نُرِيدُ، وَفِيهِ هَلَاكُهُمْ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا لَمْ يَجْتَمِعُوا إِلَّا وَقَدْ رَقَّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَأُنَاهِضُهُمْ حِينَئِذٍ وَهُمْ أَهْوَنُ مَا كَانُوا وَأَضْعَفُهُ شَوْكَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَالسَّلَامُ. فَسَكَتَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ، وَتَرَكَهُمُ الْمُهَلَّبُ يَقْتَتِلُونَ شَهْرًا لَا يُحَرِّكُهُمْ، ثُمَّ إِنَّ قَطَرِيًّا خَرَجَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ نَحْوَ طَبَرِسْتَانَ، وَبَايَعَ الْبَاقُونَ عَبَدَ رَبِهِ الْكَبِيرَ.

ذِكْرُ مَقْتَلِ عَبْدِ رَبِّهِ الْكَبِيرِ

لَمَّا سَارَ قَطَرِيٌّ إِلَى طَبَرِسْتَانَ وَأَقَامَ عَبْدُ رَبِّهِ الْكَبِيرُ بِكَرْمَانَ نَهَضَ إِلَيْهِمُ الْمُهَلَّبُ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا، وَحَصَرَهُمْ بِجِيرَفْتَ، وَكَرَّرَ قِتَالَهُمْ وَهُوَ لَا يَنَالُ مِنْهُمْ حَاجَتَهُ. ثُمَّ إِنَّ الْخَوَارِجَ طَالَ عَلَيْهِمُ الْحِصَارُ فَخَرَجُوا مِنْ جِيرَفْتَ بِأَمْوَالِهِمْ وَحُرَمِهِمْ، فَقَاتَلَهُمُ الْمُهَلَّبُ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى عُقِرَتِ الْخَيْلُ، وَتَكَسَّرَالسِّلَاحُ، وَقُتِلَ الْفُرْسَانُ، فَتَرَكَهُمْ، فَسَارُوا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015