بِقَذَّافَتِي شَيْئًا إِلَّا صَرَعْتُهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَقَدْ دَخَلْتُ بَيْنَ الْجِبَالِ فَوَجَدْتُ أَسَدًا رَابِضًا فَرَكِبْتُ عَلَيْهِ وَأَخَذْتُ بِأُذُنَيْهِ فَلَمْ أَخَفْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَرَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَمْشِي بَيْنَ الْجِبَالِ فَأُسَبِّحُ فَلَا يَبْقَى جَبَلٌ إِلَّا سَبَّحَ مَعِي. فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ، فَإِنَّ هَذَا خَيْرٌ أَعْطَاكَهُ اللَّهُ.
فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَى النَّبِيِّ الَّذِي مَعَ طَالُوتَ قَرْنًا فِيهِ دُهْنٌ وَتَنُّورٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى طَالُوتَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ صَاحِبَكُمُ الَّذِي يَقْتُلُ جَالُوتَ يُوضَعُ هَذَا الدُّهْنُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَغْلِي حَتَّى يَسِيلَ مِنَ الْقَرْنِ، وَلَا يُجَاوِزَ رَأْسَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَيَبْقَى عَلَى رَأْسِهِ كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيلِ، وَيَدْخُلَ فِي هَذَا التَّنُّورِ فَيَمْلَأَهُ. فَدَعَا طَالُوتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَجَرَّبَهُمْ، فَلَمْ يُوَافِقْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأُحْضِرَ دَاوُدُ مِنْ رَعْيِهِ، فَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَكَلَّمَتْهُ وَقُلْنَ: خُذْنَا يَا دَاوُدُ تَقْتُلْ بِنَا جَالُوتَ، فَأَخَذَهُنَّ فَجَعَلَهُنَّ فِي مِخْلَاتِهِ، وَكَانَ طَالُوتُ قَدْ قَالَ: مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ زَوَّجْتُهُ ابْنَتِي وَأَجْرَيْتُ خَاتَمَهُ فِي مَمْلَكَتِي.
فَلَمَّا جَاءَ دَاوُدُ، وَضَعُوا الْقَرْنَ عَلَى رَأْسِهِ، فَغَلَى حَتَّى ادَّهَنَ مِنْهُ وَلَبِسَ التَّنُّورَ فَمَلَأَهُ، وَكَانَ دَاوُدُ مِسْقَامًا أَزْرَقَ مِصْفَارًا، فَلَمَّا دَخَلَ فِي التَّنُّورِ تَضَايَقَ عَلَيْهِ حَتَّى مَلَأَهُ، فَرِحَ أَشْمُوِيلُ وَطَالُوتُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ بِذَلِكَ وَتَقَدَّمُوا إِلَى جَالُوتَ، وَتَصَافُّوا لِلْقِتَالِ، وَخَرَجَ دَاوُدُ نَحْوَ جَالُوتَ وَأَخَذَ الْأَحْجَارَ وَوَضَعَهَا فِي قَذَّافَتِهِ وَرَمَى بِهَا جَالُوتَ، فَوَقَعَ الْحَجَرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَنَقَبَ رَأْسَهُ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْحَجَرُ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ أَصَابَهُ يَنْفُذُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ جَالُوتَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَرَجَعَ طَالُوتُ فَأَنْكَحَ ابْنَتَهُ دَاوُدَ وَأَجْرَى خَاتَمَهُ فِي مُلْكِهِ، فَمَالَ النَّاسُ إِلَى دَاوُدَ وَأَحَبُّوهُ.
فَحَسَدَهُ طَالُوتُ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ غِيلَةً، فَعَلِمَ ذَلِكَ دَاوُدُ فَفَارَقَهُ، وَوَضَعَ فِي مَضْجَعِهِ زِقَّ خَمْرٍ وَسَجَّاهُ، وَدَخَلَ طَالُوتُ إِلَى مَنَامِ دَاوُدَ، وَقَدْ هَرَبَ دَاوُدُ، فَضَرَبَ الزِّقَّ ضَرْبَةً خَرَقَهُ، فَوَقَعَتْ قَطْرَةٌ مِنَ الْخَمْرِ فِي فِيهِ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ مَا كَانَ أَكْثَرَ شُرْبِهِ الْخَمْرَ! فَلَمَّا أَصْبَحَ طَالُوتُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَخَافَ دَاوُدُ أَنْ يَغْتَالَهُ فَشَدَّدَ حُجَّابَهُ وَحُرَّاسَهُ.
ثُمَّ إِنَّ دَاوُدَ أَتَاهُ مِنَ الْقَابِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَوَضَعَ سَهْمَيْنِ فَوْقَ رَأْسِهِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوتُ بَصَرَ بِالسِّهَامِ فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ دَاوُدَ! هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، ظَفِرْتُ