أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا أَجِدُ أَحَدًا مِنْ عَسْكَرِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَأَنْهَبْتُ دَارَهُ!
ثُمَّ أَمَرَ بِكِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقُرِئَ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَالَ الْقَارِئُ: أَمَّا بَعْدُ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ إِلَيْكُمْ، قَالَ لَهُ: اقْطَعْ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبِيدَ الْعَصَا، يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَرُدُّ رَادٌّ مِنْكُمُ السَّلَامَ! أَمَا وَاللَّهِ لَأُؤَدِّبَنَّكُمْ غَيْرَ هَذَا الْأَدَبِ! ثُمَّ قَالَ لِلْقَارِئِ: اقْرَأْ، فَلَمَّا قَرَأَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ قَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
ثُمَّ دَخَلَ مُنْزِلَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ دَعَا الْعُرَفَاءَ وَقَالَ: أَلْحِقُوا النَّاسَ بِالْمُهَلَّبِ، وَائْتُونِي بِالْبَرَاءَاتِ بِمُوَافَاتِهِمْ، وَلَا تَغْلِقُنَّ أَبْوَابَ الْجِسْرِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى تَنْقَضِيَ هَذِهِ الْمُدَّةُ.
تَفْسِيرُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ
قَوْلُهُ: أَنَا ابْنُ جَلَا، فَابْنُ جَلَا هُوَ الصُّبْحُ لِأَنَّهُ يَجْلُو الظُّلْمَةَ. وَقَوْلُهُ: (فَاشْتَدِّي زِيَمْ) ، هُوَ اسْمٌ لِلْحَرْبِ. وَالْحُطَمُ: الَّذِي يَحْطِمُ كُلَّ مَا مَرَّ بِهِ. وَالْوَضَمُ: مَا وُقِيَ بِهِ اللَّحْمُ عَنِ الْأَرْضِ. وَالْعَصْلَبِيُّ: الشَّدِيدُ. وَالْأَعْلَاطُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي لَا أَرْسَانَ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: فَعَجَمَ عِيدَانَهَا، أَيْ عَضَّهَا وَاخْتَبَرَهَا. وَقَوْلُهُ: لَأَعْصِبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلَمَةِ، فَالْعَصْبُ الْقَطْعُ، وَالسَّلَمُ شَجَرٌ مِنَ الْعِضَاهِ. وَقَوْلُهُ: لَا أَخْلُقُ إِلَّا فَرَيْتُ، فَالْخَلْقُ التَّقْدِيرُ، وَيُقَالُ: فَرَيْتُ الْأَدِيمَ إِذَا أَصْلَحْتُهُ. وَالسُّمَّهَى: الْبَاطِلُ، وَأَصْلُهُ مَا تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ مُخَاطَ الشَّيْطَانِ. وَالْعُطَاطُ، بِضَمِّ الْعَيْنِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا: ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ.
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ سَمِعَ تَكْبِيرًا فِي السُّوقِ، فَخَرَجَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ