النَّاسَ وَيَصْمُدُ بِهِمْ صَمْدَ صَاحِبِ عَلَمِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَتَقَدَّمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى صَاحِبِ عَلَمِهِ وَضَارَبَهُمْ وَانْكَشَفُوا، وَعَرَجَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْمَقَامِ، فَحَمَلُوا عَلَى صَاحِبِ عَلَمِهِ فَقَتَلُوهُ عِنْدَ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَصَارَ الْعَلَمُ بِأَيْدِي أَصْحَابِ الْحَجَّاجِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ بِغَيْرِ عَلَمٍ، فَضَرَبَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْحَوَارِيِّ! وَضَرَبَ آخَرُ وَكَانَ حَبَشِيًّا، فَقَطَعَ يَدَهُ وَقَالَ: اصْبِرْ أَبَا حُمَمَةَ، اصْبِرِ ابْنَ حَامٍ. وَقَاتَلَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ وَهُوَ يَقُولُ:
أَنَا الَّذِي فَرَرْتُ يَوْمَ الْحَرَّهْ ... وَالْحُرُّ لَا يَفِرُّ إِلَّا مَرَّهْ
وَالْيَوْمَ أَجْزِي فَرَّةً بِكَرَّهْ
وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ أَصَابَتْهُ جِرَاحٌ فَمَاتَ مِنْهَا بَعْدَ أَيَّامٍ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لِأَصْحَابِهِ وَأَهْلِهِ - يَوْمَ قُتِلَ - بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ: اكْشِفُوا وُجُوهَكُمْ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكُمْ - وَعَلَيْهِمُ الْمَغَافِرُ -. فَفَعَلُوا. فَقَالَ: يَا آلَ الزُّبَيْرِ، لَوْ طِبْتُمْ بِي نَفْسًا عَنْ أَنْفُسِكُمْ كُنَّا أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ اصْطَلَحْنَا فِي اللَّهِ، فَلَا يَرُعْكُمْ وَقْعُ السُّيُوفِ، فَإِنَّ أَلَمَ الدَّوَاءِ لِلْجِرَاحِ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِ وَقْعِهَا، صُونُوا سُيُوفَكُمْ كَمَا تَصُونُونَ وُجُوهَكُمْ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ مِنَ الْبَارِقَةِ، وَلْيَشْغَلْ كُلَّ امْرِئٍ قِرْنُهُ، وَلَا تَسْأَلُوا عَنِّي، فَمَنْ كَانَ سَائِلًا عَنِّي فَإِنِّي فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ، احْمِلُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ بِهِمُ الْحَجُونَ، فَرُمِيَ بِآجُرَّةٍ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنَ السَّكُونِ، فَأَصَابَتْهُ فِي وَجْهِهِ، فَأُرْعِشَ لَهَا وَدَمِيَ وَجْهُهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الدَّمَ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ:
فَلَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تُدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا تَقْطُرُ الدِّمَا
وَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَتَعَاوَرُوا عَلَيْهِ، فَقَتَلُوهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَلَهُ