وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ كَتَبَ إِلَى الْقُبَاعِ أَيَّامَ كَانَ عَامِلَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ أَلْفَيْ فَارِسٍ لِيُعِينُوا عَامِلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَلْفَيْ رَجُلٍ، فَلَمَّا قُتِلَ أَبُو بَكْرٍ أَمَرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يُسَيِّرَ جَيْشَ الْبَصْرَةِ إِلَى قِتَالِ طَارِقٍ، فَسَارَ الْبَصْرِيُّونَ عَنِ الْمَدِينَةِ، وَبَلَغَ طَارِقًا الْخَبَرُ، فَسَارَ نَحْوَهُ، فَالْتَقَيَا، فَقُتِلَ مُقَدِّمُ الْبَصْرِيِّينَ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا ذَرِيعًا، وَطَلَبَ طَارِقٌ مُدْبِرَهُمْ، وَأَجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَبْقِ أَسِيرَهُمْ.
وَرَجَعَ طَارِقٌ إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَكَانَ عَامِلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِالْمَدِينَةِ جَابِرُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَعَزَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ جَابِرًا، وَاسْتَعْمَلَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ، الَّذِي يُعْرَفُ بِطَلْحَةِ النَّدَى، سَنَةَ سَبْعِينَ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَخْرَجَهُ طَارِقٌ.
فَلَمَّا قَتَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُصْعَبًا وَأَتَى الْكُوفَةَ، وَجَّهَ مِنْهَا الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ فِي أَلْفَيْنِ، وَقِيلَ: فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، لِقِتَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي تَسْيِيرِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: قَدْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَخَذْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَسَلَخْتُهُ، فَابْعَثْنِي إِلَيْهِ وَوَلِّنِي قِتَالَهُ. فَبَعَثَهُ وَكَتَبَ مَعَهُ أَمَانًا لِابْنِ الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ إِنْ أَطَاعُوا، فَسَارَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَلَمْ يَعْرِضْ لِلْمَدِينَةِ، وَنَزَلَ الطَّائِفَ، وَكَانَ يَبْعَثُ الْخَيْلَ إِلَى عَرَفَةَ، وَيَبْعَثُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَيْضًا فَيَقْتَتِلُونَ بِعَرَفَةَ، فَتَنْهَزِمُ خَيْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَتَعُودُ خَيْلُ الْحَجَّاجِ بِالظَّفَرِ.
ثُمَّ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي دُخُولِ الْحَرَمِ وَحَصْرِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَيُخْبِرُهُ بِضَعْفِهِ وَتَفَرُّقِ أَصْحَابِهِ، وَيَسْتَمِدُّهُ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى طَارِقٍ يَأْمُرُهُ بِاللِّحَاقِ بِالْحَجَّاجِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَأَخْرَجَ عَامِلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، وَجَعَلَ عَلَيْهَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ اسْمُهُ ثَعْلَبَةُ، فَكَانَ ثَعْلَبَةُ يُخْرِجُ الْمُخَّ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَأْكُلُهُ وَيَأْكُلُ عَلَيْهِ التَّمْرَ لِيَغِيظَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الزُّبَيْرِ، وَقَدِمَ طَارِقٌ عَلَى الْحَجَّاجِ بِمَكَّةَ فِي سَلْخِ ذِي الْحِجَّةِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ.
وَأَمَّا الْحَجَّاجُ فَإِنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، فَنَزَلَ بِئْرَ مَيْمُونٍ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ تِلْكَ السَّنَةَ الْحَجَّاجُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ بِالْكَعْبَةِ، وَلَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، مَنَعَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ يَلْبَسُ السِّلَاحَ وَلَا يَقْرُبُ النِّسَاءَ وَلَا الطِّيبَ إِلَى أَنْ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يَحُجَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلَا أَصْحَابُهُ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَرْمُوا الْجِمَارَ،