مُعَاوِيَةَ زَوْجَةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَهِيَ أُمُّ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَغَسَّلَتْهُ وَدَفَنَتْهُ وَقَالَتْ: أَمَا رَضِيتُمْ بِمَا صَنَعْتُمْ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ فِي الْمُدُنِ؟ هَذَا بَغْيٌ.
وَكَانَ عُمُرُ مُصْعَبٍ حِينَ قُتِلَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
قَالَ يَوْمًا عَبْدُ الْمَلِكِ لِجُلَسَائِهِ: مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ؟ قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: اسْلُكُوا غَيْرَ هَذَا الطَّرِيقِ. قَالُوا: عُمَيْرُ بْنُ الْحُبَابِ. قَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ عُمَيْرًا! لِصٌّ، ثَوْبٌ يُنَازِعُ عَلَيْهِ أَعَزُّ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ. قَالُوا: فَشَبِيبٌ. قَالَ: إِنَّ لِلْحَرُورِيَّةِ لَطَرِيقًا. قَالُوا: فَمَنْ؟ قَالَ: مُصْعَبٌ، كَانَ عِنْدَهُ عَقِيلَتَا قُرَيْشٍ سُكَيْنَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ وَعَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ، ثُمَّ هُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ مَالًا، جَعَلْتُ لَهُ الْأَمَانَ وَوِلَايَةَ الْعِرَاقِ، وَعَلِمَ أَنِّي سَأَفِي لَهُ لِلْمَوَدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَنَا، فَحَمَى أَنْفًا وَأَبَى وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ مُصْعَبٌ يَشْرَبُ النَّبِيذَ. قَالَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ الْمُرُوءَةَ، فَأَمَّا مُذْ طَلَبَهَا فَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ يُنْقِصُ مُرُوءَتَهُ مَا ذَاقَهُ. قَالَ الْأُقَيْشِرُ الْأَسَدِيُّ:
حَمَى أَنْفَهُ أَنْ يَقْبَلَ الضَّيْمَ مُصْعَبٌ ... فَمَاتَ كَرِيمًا لَمْ تُذَمَّ خَلَائِقُهُ
وَلَوْ شَاءَ أَعْطَى الضَّيْمَ مَنْ رَامَ هَضْمَهُ ... فَعَاشَ مَلُومًا فِي الرِّجَالِ طَرَائِقُهْ
وَلَكِنْ مَضَى وَالْبَرْقُ يَبْرُقُ خَالُهُ ... يُشَاوِرُهُ مَرًّا وَمَرًّا يُعَانِقُهُ
فَوَلَّى كَرِيمًا لَمْ تَنَلْهُ مَذَمَّةٌ ... وَلَمْ يَكُ رَغْدًا تَطَّبِيهِ نَمَارِقُهْ
وَقَالَ عَرْفَجَةُ بْنُ شَرِيكٍ:
مَا لِابْنِ مَرْوَانَ أَعْمَى اللَّهُ نَاظِرَهُ ... وَلَا أَصَابَ رَغِيبَاتٍ وَلَا نَفَلَا
يَرْجُو الْفَلَاحَ ابْنُ مَرْوَانَ وَقَدْ قَتَلَتْ ... خَيْلُ ابْنِ مَرْوَانَ حُرًّا مَاجِدًا بَطَلًا
يَا ابْنَ الْحَوَارِيِّ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لَكُمُ ... لَوْ رَامَ غَيْرُكُمُ أَمْثَالَهَا شُغِلَا
حُمِّلْتُمُ فَحَمَلْتُمْ كُلَّ مُعْضِلَةٍ ... إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا حَمَّلْتَهُ حَمَلَا