فَلَمَّا أُتِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِرَأْسِ مُصْعَبٍ نَظَرَ إِلَيْهِ وَقَالَ: مَتَى تَغْذُو قُرَشِيَّةٌ مِثْلَكَ! وَكَانَا يَتَحَدَّثَانِ إِلَى حُبَّى وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهَا: قُتِلَ مُصْعَبٌ. فَقَالَتْ: تَعِسَ قَاتِلُهُ! فَقِيلَ: قَتَلَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. فَقَالَتْ: وَا بِأَبِي الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ!

ثُمَّ دَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ جُنْدَ الْعِرَاقِ إِلَى بَيْعَتِهِ فَبَايَعُوهُ، وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ، فَأَقَامَ بِالنُّخَيْلَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَخَطَبَ النَّاسَ بِالْكُوفَةِ، فَوَعَدَ الْمُحْسِنَ وَتَوَعَّدَ الْمُسِيءَ، فَقَالَ: إِنَّ الْجَامِعَةَ الَّتِي وُضِعَتْ فِي عُنُقِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عِنْدِي، وَوَاللَّهِ لَا أَضَعُهَا فِي عُنُقِ رَجُلٍ فَأَنْتَزِعُهَا إِلَّا صُعُدًا، لَا أَفُكُّهَا عَنْهُ فَكًّا، فَلَا يُبْقِيَنَّ امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يُولِغَنَّ دَمَهُ، وَالسَّلَامُ.

وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ فَبَايَعُوهُ، فَحَضَرَتْ قُضَاعَةُ، فَقَالَ لَهُمْ: كَيْفَ سَلِمْتُمْ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ مَعَ مُضَرَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْلَى النَّهْدِيُّ: نَحْنُ أَعَزُّ مِنْهُمْ، وَأَمْنَعُ بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ مِنَّا. ثُمَّ جَاءَتْ مَذْحِجٌ فَقَالَ: مَا أَرَى لِأَحَدٍ مَعَ هَؤُلَاءِ بِالْكُوفَةِ شَيْئًا. ثُمَّ جَاءَتْ جُعْفَى فَقَالَ: إِيتُونِي بِابْنِ أُخْتِكُمْ، يَعْنِي يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مَذْحِجِيَّةً، فَقَالُوا: هُوَ آمِنٌ؟ فَقَالَ: وَتَشْتَرِطُونَ أَيْضًا؟ ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: إِنَّا مَا نَشْتَرِطُ جَهْلًا بِحَقِّكَ، وَلَكِنَّا نَتَسَحَّبُ عَلَيْكَ تَسَحُّبَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ. فَقَالَ: نِعْمَ أَنْتُمُ الْحَيُّ! إِنْ كُنْتُمْ لَفُرْسَانًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، لِيَحْضُرْ فَهُوَ آمِنٌ. فَأَتَوْهُ بِهِ فَبَايَعَهُ. ثُمَّ أَتَتْهُ عَدْوَانُ، فَقَدَّمُوا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ رَجُلًا جَمِيلًا وَسِيمًا، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ:

عَذِيرَ الْحَيِّ مِنْ عَدْوَا ... نَ كَانُوا حَيَّةَ الْأَرْضِ

بَغَى بَعْضُهُمُ بَعْضًا ... فَلَمْ يَرْعُوا عَلَى بَعْضِ

وَمِنْهُمْ كَانَتِ السَّادَاتُ ... وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الْجَمِيلِ فَقَالَ: إِيهِ! فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجَدَلِيُّ، وَكَانَ خَلْفَهُ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015