أَبَا مَالِكٍ هَلْ لُمْتَنِي أَوْ حَضَضْتَنِي ... عَلَى الْقَتْلِ أَمْ هَلْ لَامَنِي كُلُّ لَائِمِ
أَلَمْ أُفْنِكُمْ قَتْلًا وَأَجْدَعَ أَنْفَكُمْ ... بِفِتْيَانِ قَيْسٍ وَالسُّيُوفِ الصَّوَارِمِ
بِكُلِّ فَتًى يَنْعَى عُمَيْرًا بِسَيْفِهِ ... إِذَا اعْتَصَمَتْ أَيْمَانُهُمْ بِالْقَوَائِمِ
فَإِنْ تَطْرُدُونِي تَطْرُدُونِي وَقَدْ جَرَى ... بِيَ الْوَرْدُ يَوْمًا فِي دِمَاءِ الْأَرَاقِمِ
نَكَحْتُ بِسَيْفِي فِي زُهَيْرٍ وَمَالِكٍ ... نِكَاحَ اغْتِصَابٍ لَا نِكَاحَ دَرَاهِمِ
فِي أَبْيَاتٍ.
وَلَمْ يَزَلِ الْجَحَّافُ يَتَرَدَّدُ فِي بِلَادِ الرُّومِ مِنْ طَرَابِزُنْدَةَ إِلَى قَالِيقَلَا، وَبَعَثَ إِلَى بِطَانَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ قَيْسٍ حَتَّى أَخَذُوا لَهُ الْأَمَانَ، فَآمَنَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَأَلْزَمَهُ دِيَاتِ مَنْ قَتَلَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْكُفَلَاءَ وَسَعَى فِيهَا، فَأَتَى الْحَجَّاجَ مِنَ الشَّامِ فَطَلَبَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: مَتَى عَهِدْتَنِي خَائِنًا؟ فَقَالَ لَهُ: وَلَكِنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ وَلَكَ عِمَالَةٌ وَاسِعَةٌ. فَقَالَ: لَقَدْ أُلْهِمْتَ الصِّدْقَ. فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَجَمَعَ الدِّيَاتِ فَأَوْصَلَهَا.
ثُمَّ تَنَسَّكَ بَعْدُ وَصَلُحَ، وَمَضَى حَاجًّا، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَجَعَلَ يُنَادِي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَمَا أَظُنُّ تَفْعَلُ. فَسَمِعَهُ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: يَا شَيْخُ، قُنُوطُكَ شَرٌّ مِنْ ذَنْبِكَ.
(وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ عَوْدِهِ كَانَ أَنَّ الْجَحَّافَ أَكْرَمَهُ مَلِكُ الرُّومِ وَقَرَّبَهُ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَيُعْطِيهِ مَا شَاءَ، فَقَالَ: مَا أَتَيْتُكَ رَغْبَةً عَنِ الْإِسْلَامِ. وَلَقِيَ الرُّومُ تِلْكَ السَّنَةَ عَسَاكِرَ الْمُسْلِمِينَ صَائِفَةً، فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَخْبَرُوا عَبْدَ الْمَلِكِ أَنَّهُمْ هَزَمَهُمُ الْجَحَّافُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يُؤَمِّنُهُ، فَسَارَ وَقَصَدَ الْبِشْرَ وَبِهِ حَيٌّ مِنْ بِشْرٍ، وَقَدْ لَبِسَ أَكْفَانَهُ وَقَالَ: قَدْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ أُعْطِي الْقَوَدَ مِنْ نَفْسِي. وَأَرَادَ شَبَابُهُمْ قَتْلَهُ، فَنَهَاهُمْ شُيُوخُهُمْ، فَعَفَوْا عَنْهُ