عَقِبَيْهَا، فَإِنَّكَ لَمْ تُشْبِهْ غَيْرَهَا! ثُمَّ أَخَذَ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَرْبَةَ فَطَعَنَ بِهَا عَمْرًا، فَلَمْ تَجُزْ، ثُمَّ ثَنَى فَلَمْ تَجُزْ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى عَضُدِهِ فَرَأَى الدِّرْعَ فَقَالَ: وَدِرْعٌ أَيْضًا؟ إِنْ كُنْتَ لَمُعِدًّا! فَأَخَذَ الصَّمْصَامَةَ، وَأَمَرَ بِعَمْرٍو فَصُرِعَ، وَجَلَسَ عَلَى صَدْرِهِ فَذَبَحَهُ وَهُوَ يَقُولُ:
يَا عَمْرُو إِنْ لَا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي ... أَضْرِبْكَ حَيْثُ تَقُولُ الْهَامَةُ اسْقُونِي
وَانْتَفَضَ عَبْدُ الْمَلِكِ رِعْدَةً، فَحُمِلَ عَنْ صَدْرِهِ فَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ، قَتَلَهُ صَاحِبُ دُنْيَا وَلَا طَالِبُ آخِرَةٍ.
وَدَخَلَ يَحْيَى وَمَنْ مَعَهُ عَلَى بَنِي مَرْوَانَ يُخْرِجُهُمْ وَمَنْ كَانَ مِنْ مَوَالِيهِمْ، فَقَاتَلُوا يَحْيَى وَأَصْحَابَهُ، وَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الرَّأْسَ، فَأَلْقَاهُ إِلَى النَّاسِ، وَقَامَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْبِدَرِ، فَجَعَلَ يُلْقِيهَا إِلَى النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ الرَّأْسَ وَالْأَمْوَالَ (انْتَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَتَفَرَّقُوا) ، ثُمَّ أَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ فَجُبِيَتْ حَتَّى عَادَتْ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ عَمْرٍو حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ غُلَامَهُ أَبَا الزُّعَيْزِعَةِ، فَقَتَلَهُ وَأَلْقَى رَأْسَهُ إِلَى النَّاسِ، وَرُمِيَ يَحْيَى بِصَخْرَةٍ فِي رَأْسِهِ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَرِيرَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَ وَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَفَقَدَ الْوَلِيدَ ابْنَهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانُوا قَتَلُوهُ لَقَدْ أَدْرَكُوا ثَأْرَهُمْ. فَأَتَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَرَبِيٍّ الْكِنَانِيُّ، فَقَالَ: الْوَلِيدُ عِنْدِي، وَقَدْ جُرِحَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ.
وَأُتِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ فَقَالَ: جُعِلْتُ فَدَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَتَرَاكَ قَاتِلًا بَنِي أُمَيَّةَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ! فَأَمَرَ بِيَحْيَى فَحُبِسَ. وَأَرَادَ قَتْلَ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ، فَشَفَعَ فِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ أَيْضًا، وَأَرَادَ قَتْلَ عَامِرِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْكَلْبِيِّ، فَشَفَعَ فِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَمَرَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَحُبِسُوا، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ مَعَ عَمِّهِمْ يَحْيَى، فَأَلْحَقَهُمْ بِمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ.