الْغَنَمُ، يَنْتَظِرُونَ الْقَتْلَ وَالتَّحْرِيقَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لَسْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِنْ لَمْ أَنْصُرْهُمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَإِنْ لَمْ أُسَرِّبِ الْخَيْلَ فِي أَثَرِ الْخَيْلِ كَالسَّيْلِ يَتْلُوهُ السَّيْلُ، حَتَّى يَحِلَّ بِابْنِ الْكَاهِلِيَّةِ الْوَيْلُ!
يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ خُوَيْلِدٍ أَبِي الْعَوَّامِ زُهْرَةَ بِنْتَ عَمْرٍو مِنْ بَنِي كَاهِلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ.
فَبَكَى النَّاسُ وَقَالُوا: سَرِّحْنَا إِلَيْهِ وَعَجِّلْ. فَوَجَّهَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ، وَوَجَّهَ ظَبْيَانَ بْنَ عُمَارَةَ أَخَا بَنِي تَمِيمٍ وَمَعَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ لِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَسَيَّرَ أَبَا الْمُعَمِّرِ فِي مِائَةٍ، وَهَانِئَ بْنَ قَيْسٍ فِي مِائَةٍ، وَعُمَيْرَ بْنَ طَارِقٍ فِي أَرْبَعِينَ، وَيُونُسَ بْنَ عِمْرَانَ فِي أَرْبَعِينَ. فَوَصَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى أَتَاهُ عُمَيْرٌ وَيُونُسُ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا، فَبَلَغُوا مِائَةً وَخَمْسِينَ رَجُلًا، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، (وَمَعَهُمُ الرَّايَاتُ) ، وَهُمْ يُنَادُونَ: يَا لِثَارَاتِ الْحُسَيْنِ! حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى زَمْزَمَ، وَقَدْ أَعَدَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحَطَبَ لِيَحْرِقَهُمْ، وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْأَجَلِ يَوْمَانِ، فَكَسَرُوا الْبَابَ وَدَخَلُوا عَلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالُوا: خَلِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ! فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي لَا أَسْتَحِلُّ الْقِتَالَ فِي الْحَرَامِ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: وَاعْجَبًا لِهَذِهِ الْخَشَبِيَّةِ! يَنْعُونَ الْحُسَيْنَ كَأَنِّي أَنَا قَتَلْتُهُ، وَاللَّهِ لَوْ قَدَرْتُ عَلَى قَتَلَتِهِ لَقَتَلْتُهُمْ.
وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُمْ خَشَبِيَّةٌ ; لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا مَكَّةَ وَبِأَيْدِيهِمُ الْخَشَبُ، كَرَاهَةَ شَهْرِ السُّيُوفِ فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا الْحَطَبَ الَّذِي أَعَدَّهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَتَحْسَبُونَ أَنِّي أُخَلِّي سَبِيلَهُمْ دُونَ أَنْ يُبَايِعَ وَيُبَايِعُوا؟
فَقَالَ الْجَدَلِيُّ: إِي وَرَبِّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، لَتُخَلِّيَنَّ سَبِيلَهُ أَوْ لَنُجَالِدَنَّكَ بِأَسْيَافِنَا جِلَادًا يَرْتَابُ مِنْهُ الْمُبْطِلُونَ! فَكَفَّ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ أَصْحَابَهُ، وَحَذَّرَهُمُ الْفِتْنَةَ.
ثُمَّ قَدِمَ بَاقِي الْجُنْدِ وَمَعَهُمُ الْمَالُ حَتَّى دَخَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَكَبَّرُوا وَقَالُوا: يَا لِثَارَاتِ الْحُسَيْنِ! فَخَافَهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَرَجَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى شِعْبِ عَلِيٍّ وَهُمْ يَسُبُّونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَيَسْتَأْذِنُونَ مُحَمَّدًا فِيهِ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ.
فَاجْتَمَعَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي الشِّعْبِ أَرْبَعَةُ آلَافِ رَجُلٍ، فَقَسَمَ بَيْنَهُمُ الْمَالَ وَعَزُّوا وَامْتَنَعُوا. فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ تَضَعْضَعُوا وَاحْتَاجُوا.