فَلَمَّا عَادَ يَزِيدُ أَخْبَرَ الْمُخْتَارَ بِذَلِكَ، فَقَتَلَ عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ وَرَأْسِ ابْنِهِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُعْلِمُهُ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي طَلَبِ الْبَاقِينَ مِمَّنْ حَضَرَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَرِيكٍ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ الْأَرْدِيَةِ الْمُعَلَّمَةِ، وَأَصْحَابَ الْبَرَانِسِ السُّودِ مِنْ أَصْحَابِ السَّوَارِي، إِذَا مَرَّ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ قَالُوا: هَذَا قَاتِلُ الْحُسَيْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: قَالَ عَلِيٌّ لِعَمْرِو بْنِ سَعْدٍ: كَيْفَ كُنْتَ إِذَا قُمْتَ مَقَامًا تُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَتَخْتَارُ النَّارَ؟
ثُمَّ إِنَّ الْمُخْتَارَ أَرْسَلَ إِلَى حَكِيمِ بْنِ طُفَيْلٍ الطَّائِيِّ، وَكَانَ أَصَابَ سَلْبَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَمَى الْحُسَيْنَ بِسَهْمٍ، وَكَانَ يَقُولُ: تَعَلَّقَ سَهْمِي بِسِرْبَالِهِ وَمَا ضَرَّهُ. فَأَتَاهُ أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ فَأَخَذُوهُ، وَذَهَبَ أَهْلُهُ فَشَفَعُوا بِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، فَكَلَّمَهُمْ عَدِيٌّ فِيهِ، فَقَالُوا: ذَلِكَ إِلَى الْمُخْتَارِ. فَمَضَى عَدِيٌّ إِلَى الْمُخْتَارِ لِيَشْفَعَ فِيهِ، وَكَانَ الْمُخْتَارُ قَدْ شَفَّعَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ أَصَابَهُمْ يَوْمَ جَبَّانَةِ السَّبِيعِ، فَقَالَتِ الشِّيعَةُ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ يُشَفِّعَهُ الْمُخْتَارُ فِيهِ، فَقَتَلُوهُ رَمْيًا بِالسِّهَامِ كَمَا رَمَى الْحُسَيْنَ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ الْقُنْفُذُ، وَدَخَلَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، فَشَفَعَ فِيهِ عَدِيٌّ، فَقَالَ الْمُخْتَارَ: أَتَسْتَحِلُّ أَنْ تَطْلُبَ فِي قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ؟ فَقَالَ عَدِيٌّ: إِنَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ. قَالَ: إِذًا نَدَعُهُ لَكَ.
فَدَخَلَ ابْنُ كَامِلٍ فَأَخْبَرَ الْمُخْتَارَ بِقَتْلِهِ، فَقَالَ: مَا أَعْجَلَكُمْ إِلَى ذَلِكَ؟ أَلَا أَحْضَرْتُمُوهُ عِنْدِي؟ وَكَانَ قَدْ سَرَّهُ قَتْلُهُ. فَقَالَ ابْنُ كَامِلٍ: غَلَبَتْنِي عَلَيْهِ الشِّيعَةُ. فَقَالَ عَدِيٌّ لِابْنِ كَامِلٍ: كَذَبْتَ، وَلَكِنْ ظَنَنْتَ أَنَّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ سَيُشَفِّعُنِي فَقَتَلْتَهُ. فَسَبَّهُ ابْنُ كَامِلٍ، فَنَهَاهُ الْمُخْتَارُ عَنْ ذَلِكَ.
وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى قَاتِلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَهُوَ مُرَّةُ بْنُ مُنْقِذٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَكَانَ شُجَاعًا، فَأَحَاطُوا بِدَارِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَلَى فَرَسِهِ وَبِيَدِهِ رُمْحُهُ، فَطَاعَنَهُمْ، فَضَرَبَ عَلَى يَدِهِ وَهَرَبَ مِنْهُمْ فَنَجَا، وَلَحِقَ بِمُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَشُلَّتْ يَدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَبَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى زَيْدِ بْنِ رُقَادٍ الْجُنُبِيِّ، كَانَ يَقُولُ: لَقَدْ رَمَيْتُ فَتًى مِنْهُمْ بِسَهْمٍ وَكَفُّهُ عَلَى جَبْهَتِهِ يَتَّقِي النَّبْلَ، فَأَثْبَتَ كَفَّهُ فِي جَبْهَتِهِ فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يُزِيلَ كَفَّهُ عَنْ جَبْهَتِهِ - وَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ - وَإِنَّهُ قَالَ حِينَ رَمَيْتُهُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمُ اسْتَقَلُّونَا وَاسْتَذَلُّونَا، فَاقْتُلْهُمْ كَمَا قَتَلُونَا. ثُمَّ إِنَّهُ رَمَى الْغُلَامَ بِسَهْمٍ آخَرَ وَكَانَ يَقُولُ: جِئْتُهُ