عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ جِسْرِ مَنْبِجَ، فَقِتَالُهُ وَالِاسْتِعْدَادُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَجْعَلُوا بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ فَيَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَيَلْقَاكُمْ عَدُوُّكُمْ وَقَدْ ضَعُفْتُمْ، وَتِلْكَ أُمْنِيَتُهُ، وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ أَعْدَى خَلْقِ اللَّهِ لَكُمْ، مَنْ وَلِيَ عَلَيْكُمْ هُوَ وَأَبُوهُ سَبْعَ سِنِينَ لَا يُقْلِعَانِ عَنْ قَتْلِ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالدِّينِ، (هُوَ الَّذِي قَتَلَكُمْ) ، وَمِنْ قِبَلِهِ أُتِيتُمْ، وَالَّذِي قَتَلَ مَنْ تُنَادُونَ بِدَمِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فَاسْتَقْبِلُوهُ بِحَدِّكُمْ وَشَوْكَتِكُمْ وَاجْعَلُوهَا بِهِ وَلَا تَجْعَلُوهَا بِأَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ.
وَكَانَ مَرْوَانُ قَدْ سَيَّرَ ابْنَ زِيَادٍ إِلَى الْجَزِيرَةِ، ثُمَّ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ.
فَلَمَّا فَرَغَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنَ السَّيْفِ وَالْغَشْمِ مَقَالَةُ هَذَا الْمُدَاهِنِ، وَاللَّهِ لَئِنْ خَرَجَ عَلَيْنَا خَارِجٌ لَنَقْتُلَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَيْقَنَّا أَنَّ قَوْمًا يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ عَلَيْنَا لَنَأْخُذَنَّ الْوَالِدَ بِوَلَدِهِ وَالْمَوْلُودَ بِوَالِدِهِ وَالْحَمِيمَ بِالْحَمِيمِ وَالْعَرِيفَ بِمَا فِي عَرَافَتِهِ حَتَّى يَدِينُوا لِلْحَقِّ وَيَذِلُّوا لِلطَّاعَةِ.
فَوَثَبَ إِلَيْهِ الْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ مَنْطِقَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ النَّاكِثِينَ! أَنْتَ تُهَدِّدُنَا بِسَيْفِكَ وَغَشْمِكَ! أَنْتَ وَاللَّهِ أَذَلُّ مِنْ ذَلِكَ! إِنَّا لَا نَلُومُكَ عَلَى بُغْضِنَا وَقَدْ قَتَلْنَا أَبَاكَ وَجَدَّكَ، وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَقَدْ قُلْتَ قَوْلًا سَدِيدًا.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَاللَّهِ لُتُقْتَلَنَّ وَقَدْ أَدْهَنَ هَذَا، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَالٍ: مَا اعْتِرَاضُكَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَمِيرِنَا؟ مَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِأَمِيرٍ إِنَّمَا أَنْتَ أَمِيرُ هَذِهِ الْجِزْيَةِ، فَأَقْبِلْ عَلَى خَرَاجِكَ، وَلَئِنْ أَفْسَدْتَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَدْ أَفْسَدَهُ وَالِدَاكَ وَكَانَتْ عَلَيْهِمَا دَائِرَةُ السَّوْءِ! فَشَتَمَهُمْ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ مَعَ إِبْرَاهِيمَ فَشَاتَمُوهُ، فَنَزَلَ الْأَمِيرُ مِنْ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَتَهَدَّدَهُ إِبْرَاهِيمُ بِأَنَّهُ يَكْتُبُ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ يَشْكُوهُ، فَجَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي مَنْزِلِهِ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبْلَ عُذْرَهُ.
ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ سُلَيْمَانَ خَرَجُوا يَنْشُرُونَ السِّلَاحَ ظَاهِرِينَ وَيَتَجَهَّزُونَ.