هَرَاةَ، فَأَشَارَ الْبَكْرِيُّونَ بِالْخُرُوجِ مِنْ هَرَاةَ وَعَمَلِ خَنْدَقٍ، فَقَالَ أَوْسٌ: بَلْ نَلْزَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا حَصِينَةٌ وَنُطَاوِلُ ابْنَ خَازِمٍ لِيَضْجَرَ وَيُعْطِيَنَا مَا نُرِيدُ.

فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَخَرَجُوا وَخَنْدَقُوا خَنْدَقًا، وَقَاتَلَهُمُ ابْنُ خَازِمٍ نَحْوَ سَنَةٍ، وَقَالَ لَهُ هِلَالٌ الضَّبِّيُّ: إِنَّمَا تُقَاتِلُ إِخْوَتَكَ وَبَنِي أَبِيكَ، فَإِنْ نِلْتَ مِنْهُمُ الَّذِي تُرِيدُ فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ، فَلَوْ أَعْطَيْتَهُمْ شَيْئًا يَرْضَوْنَ بِهِ وَأَصْلَحْتَ هَذَا الْأَمْرَ.

قَالَ: وَاللَّهُ لَوْ خَرَجْنَا لَهُمْ مِنْ خُرَاسَانَ مَا رَضُوا.

قَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُ مَعَكَ أَنَا وَلَا رَجُلٌ أَوْ تُطِيعُنِي حَتَّى تَعْتَذِرَ إِلَيْهِمْ.

قَالَ: فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِمْ فَأَرْضِهِمْ.

فَأَتَى هِلَالٌ أَوْسَ بْنَ ثَعْلَبَةَ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ وَالْقَرَابَةَ فِي نِزَارٍ وَأَنْ يَحْفَظَ وَلَاءَهَا.

فَقَالَ: هَلْ لَقِيتَ بَنِي صُهَيْبٍ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ: فَالْقَهَمُ.

قَالَ: فَخَرَجَ فَلَقِيَ جَمَاعَةً مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ مَا أَتَى لَهُ.

فَقَالُوا لَهُ: هَلْ لَقِيتَ بَنِي صُهَيْبٍ؟ فَقَالَ: لَقَدْ عَظُمَ أَمْرُ بَنِي صُهَيْبٍ عِنْدَكُمْ، فَأَتَاهُمْ، فَقَالُوا: لَوْلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَقَتَلْنَاكَ.

قَالَ: فَهَلْ يُرْضِيكُمْ شَيْءٌ؟ قَالُوا: وَاحِدَةٌ مِنِ اثْنَتَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْ خُرَاسَانَ، وَإِمَّا أَنْ تُقِيمُوا وَتَخْرُجُوا لَنَا عَنْ كُلِّ سِلَاحٍ وَكُرَاعٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ.

فَرَجَعَ إِلَى ابْنِ خَازِمٍ، فَقَالَ: مَا عَنْكَ؟ فَأَخْبَرَهُ.

فَقَالَ: إِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ تَزَلْ غِضَابًا عَلَى رَبِّهَا مُنْذُ بَعَثَ نَبِيَّهُ مِنْ مُضَرَ.

وَأَقَامَ ابْنُ خَازِمٍ يُقَاتِلُهُمْ، فَقَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: قَدْ طَالَ مُقَامُنَا، وَنَادَاهُمْ: يَا مَعْشَرَ رَبِيعَةَ أَرَضِيْتُمْ مِنْ خُرَاسَانَ بِخَنْدَقِكُمْ! فَأَحْفَظَهُمْ ذَلِكَ، فَتَنَادَوْا لِلْقِتَالِ، فَنَهَاهُمْ أَوْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ عَنِ الْخُرُوجِ بِجَمَاعَتِهِمْ وَأَنْ يُقَاتِلُوا كَمَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ، فَعَصَوْهُ.

فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ لِأَصْحَابِهِ: اجْعَلُوهُ يَوْمَكُمْ فَيَكُونُ الْمُلْكُ لِمَنْ غَلَبَ، وَإِذَا لَقِيتُمُ الْخَيْلَ فَاطْعَنُوهَا فِي مَنَاخِرِهَا.

فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً وَانْهَزَمَتْ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى خَنْدَقِهِمْ وَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا وَسَقَطَ النَّاسُ فِي الْخَنْدَقِ وَقُتِلُوا قَتْلًا ذَرِيعًا وَهَرَبَ أَوْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ إِلَى سِجِسْتَانَ فَمَاتَ بِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا، وَقُتِلَ مِنْ بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ، وَغَلَبَ ابْنُ خَازِمٍ عَلَى هَرَاةَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَضَمَّ إِلَيْهِ شَمَّاسَ بْنَ دِثَارٍ الْعُطَارِدِيَّ، وَجَعَلَ بُكَيْرَ بَنَ وَسَّاجٍ الثَّقَفِيَّ عَلَى شُرْطَتِهِ وَرَجَعَ ابْنُ خَازِمٍ إِلَى مَرْوَ.

وَأَغَارَتِ التُّرْكُ عَلَى قَصْرِ اسْغَادَ، وَابْنُ خَازِمٍ عَلَى هَرَاةَ، وَكَانَ فِيهِ نَاسٌ مِنَ الْأَزْدِ، فَحَصَرُوهُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ خَازِمٍ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ زُهَيْرَ بْنَ حَيَّانَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَقَالَ لَهُ: إِيَّاكَ وَمُنَاوَأَةَ التُّرْكِ، إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ.

فَوَافَاهُمْ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، فَلَمَّا الْتَقَوْا حَمَلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015