مُوَسَّدِينَ) ، تَسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيَاحُ، وَيَنْشَى بِهِمْ عَرْجُ الْبِطَاحِ، حَتَّى أَتَاحَ اللَّهُ بِقَوْمٍ لَمْ يُشْرَكُوا فِي دِمَائِهِمْ كَفَّنُوهُمْ وَأَجَنُّوهُمْ، وَبِي وَبِهِمْ لَوْ عَزَزْتَ وَجَلَسْتَ مَجْلِسَكَ الَّذِي جَلَسْتَ، فَمَا أَنَسَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فَلَسْتُ بِنَاسٍ اطِّرَادَكَ حُسَيْنًا مِنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى حَرَمِ اللَّهِ، وَتَسْيِيرَكَ الْخُيُولَ إِلَيْهِ، فَمَا زِلْتَ بِذَلِكَ حَتَّى أَشْخَصْتَهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ، فَنَزَلَتْ بِهِ خَيْلُكَ عَدَاوَةً مِنْكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، فَطَلَبَ إِلَيْكُمُ الْمُوَادَعَةَ وَسَأَلَكُمُ الرَّجْعَةَ، فَاغْتَنَمْتُمْ قِلَّةَ أَنْصَارِهِ وَاسْتِئْصَالَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَتَعَاوَنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَنَّكُمْ قَتَلْتُمْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، فَلَا شَيْءَ أَعْجَبُ عِنْدِي مِنْ طِلَبْتِكَ وُدِّي وَقَدْ قَتَلْتَ وَلَدَ أَبِي وَسَيْفُكَ يَقْطُرُ مِنْ دَمِيَ وَأَنْتَ أَحَدُ ثَأْرِي وَلَا يُعْجِبُكَ أَنْ ظَفِرْتَ بِنَا الْيَوْمَ فَلَنَظْفَرَنَّ بِكَ يَوْمًا، وَالسَّلَامُ.
(قَالَ الشَّرِيفُ أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَلَوِيُّ، وَقَدْ جَرَى عِنْدَهُ ذِكْرُ يَزِيدَ: أَنَا لَا أُكَفِّرُ يَزِيدَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى بَنِيَّ أَحَدًا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِي ذَلِكَ) .
ذِكْرُ بَيْعَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بِالْخِلَافَةِ بِالشَّامِ، وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِالْحِجَازِ، وَلَمَّا هَلَكَ يَزِيدُ بَلَغَ الْخَبَرُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَسْكَرِ الشَّامِ، وَكَانَ الْحِصَارُ قَدِ اشْتَدَّ مِنَ الشَّامِيِّينَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَنَادَاهُمُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَهْلُ مَكَّةَ: عَلَامَ تُقَاتِلُونَ وَقَدْ هَلَكَ طَاغِيَتُكُمْ؟ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُمْ.
فَلَمَّا بَلَغَ الْحُصَيْنَ خَبَرُ مَوْتِهِ بَعَثَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: مَوْعِدُ مَا بَيْنَنَا اللَّيْلَةَ الْأَبْطَحِ، فَالْتَقَيَا وَتَحَادَثَا، فَرَاثَ فَرَسُ الْحُصَيْنِ، فَجَاءَ حَمَامُ الْحَرَمِ يَلْتَقِطُ رَوْثَ الْفَرَسِ، فَكَفَّ الْحُصَيْنُ فَرَسَهُ عَنْهُنَّ وَقَالَ: أَخَافَ أَنْ يَقْتُلَ فَرَسِي حَمَامَ الْحَرَمِ.
فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: تَتَحَرَّجُونَ مِنْ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرَمِ؟ فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُ الْحُصَيْنُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ، هَلُمَّ فَلْنُبَايِعْكَ ثُمَّ اخْرُجْ مَعَنَا إِلَى الشَّامِ، فَإِنَّ هَذَا الْجُنْدَ الَّذِينَ مَعِي هُمْ وُجُوهُ الشَّامِ وَفُرْسَانُهُمْ، فَوَاللَّهِ لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ وَتُؤَمِّنُ النَّاسَ وَتُهْدِرُ هَذِهِ الدِّمَاءَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرَمِ.
فَقَالَ لَهُ: أَنَا لَا أُهْدِرُ الدِّمَاءَ، وَاللَّهِ لَا