ثُمَّ نَاوَلَهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا وَقَعَ فِي يَدِهِ قَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لَا تَشْرَبْ مِنْ شَرَابِنَا! فَارْتَعَدَتْ كَفُّهُ وَلَمْ يَأْمَنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمْسَكَ الْقَدَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَجِئْتَ تَمَشِّي بَيْنَ هَؤُلَاءِ لِتَأْمَنَ عِنْدِي؟ وَاللَّهِ لَوْ كَانَ إِلَيْهِمَا أَمْرٌ لَقَتَلْتُكَ! وَلَكِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ كَاتَبْتَهُ، فَإِنْ شِئْتَ فَاشْرَبْ.
فَشَرِبَ ثُمَّ أَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: لَعَلَّ أَهْلَكَ فَزِعُوا؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ.
فَأَمَرَ بِدَابَّةٍ فَأُسْرِجَتْ لَهُ فَحَمَلَهُ عَلَيْهَا فَرُدَّ وَلَمْ يُلْزِمْهُ بِالْبَيْعَةِ لِيَزِيدَ عَلَى مَا شَرَطَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَأُحْضِرَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِيُبَايِعَ، فَقَالَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ السَّكُونِيُّ: لَا يُبَايِعُ ابْنُ أُخْتِنَا إِلَّا كَبَيْعَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَكَانَتْ أُمُّ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كِنْدِيَّةً، فَقَامَتْ كِنْدَةُ مَعَ الْحُصَيْنِ، فَتَرَكَهُ مُسْلِمٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ:
أَبِي الْعَبَّاسُ قَرْمُ بَنِي قُصَيٍّ ... وَأَخْوَالِي الْمُلُوكُ بَنُو وَلِيعَهْ
هُمُ مَنَعُوا ذِمَارِي يَوْمَ جَاءَتْ ... كَتَائِبُ مُسْرِفٍ وَبَنُو اللَّكِيعَهْ
أَرَادُونِي الَّتِي لَا عِزَّ فِيهَا ... فَحَالَتْ دُونَهُ أَيْدٌ سَرِيعَهْ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ مُسْرِفٌ: مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ، فَإِنَّهُ سُمِّي بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ مُسْرِفًا، وَبَنُو وَلَيْعَةَ بَطْنٌ مِنْ كِنْدَةَ، مِنْهُمْ أُمُّهُ، وَاللَّكِيعَةُ أُمُّ أُمِّهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَمْ يَكُنْ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمَئِذٍ إِلَى مُسْلِمٍ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: لَا.
قَالَ: هَذَا الْخَبِيثُ ابْنُ الطَّيِّبِ، هَذَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، هِيهِ يَا عَمْرُو إِذَا ظَهَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قُلْتَ أَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، وَإِنْ ظَهَرَ أَهْلُ الشَّامِ قُلْتَ أَنَا ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ.
فَأَمَرَ بِهِ فَنُتِفَتْ لِحْيَتُهُ، (ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّ أُمَّ هَذَا كَانَتْ تُدْخِلُ الْجُعَلَ فِي فِيهَا ثُمَّ تَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَاجَيْتُكَ مَا فِي فَمِي؟ وَفِي فَمِهَا مَا شَاهَا وَبَاهَا، وَكَانَتْ مِنْ دَوْسٍ) ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ.