63 -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ
ذِكْرُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ
كَانَ أَوَّلُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خَلْعِ يَزِيدَ، فَلَمَّا كَانَ هَذِهِ السَّنَةُ أَخْرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلَ يَزِيدَ وَحَصَرُوا بَنِي أُمَيَّةَ (بَعْدَ بَيْعَتِهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ، فَاجْتَمَعَ بَنُو أُمَيَّةَ) وَمَوَالِيهِمْ وَمَنْ يَرَى رَأْيَهُمْ فِي أَلْفِ رَجُلٍ حَتَّى نَزَلُوا دَارَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَكَتَبُوا إِلَى يَزِيدَ يَسْتَغِيثُونَ بِهِ، فَقَدِمَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ وَقَدْ وَضَعَ قَدَمَيْهِ فِي طَشْتٍ فِيهِ مَاءٌ لِنَقْرَسٍ كَانَ بِهِمَا، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ تَمَثَّلَ:
لَقَدْ بَدَّلُوا الْحِلْمَ الَّذِي فِي سَجِيَّتِي ... فَبَدَّلْتُ قَوْمِي غِلْظَةً بِلِيَانِ
ثُمَّ قَالَ: أَمَا يَكُونُ بَنُو أُمَيَّةَ أَلْفَ رَجُلٍ؟ فَقَالَ الرَّسُولُ: بَلَى وَاللَّهِ وَأَكْثَرُ.
قَالَ: فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُقَاتِلُوا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ! فَبَعَثَ إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَأَقْرَأَهُ الْكِتَابَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ ضَبَطْتُ لَكَ الْأُمُورَ وَالْبِلَادَ، فَأَمَّا الْآنَ إِذْ صَارَتْ دِمَاءُ قُرَيْشٍ تُهْرَقُ بِالصَّعِيدِ فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَوَلَّى ذَلِكَ.