الْقَيْرَوَانِ.
ثُمَّ إِنَّ زُهَيْرًا رَأَى بِإِفْرِيقِيَّةَ مُلْكًا عَظِيمًا فَأَبَى أَنْ يُقِيمَ وَقَالَ: إِنَّمَا قَدِمْتُ لِلْجِهَادِ فَأَخَافُ أَنْ أَمِيلَ إِلَى الدُّنْيَا فَأَهْلِكَ.
وَكَانَ عَابِدًا زَاهِدًا، فَتَرَكَ بِالْقَيْرَوَانِ عَسْكَرًا وَهُمْ آمِنُونَ لِخُلُوِّ الْبِلَادِ مِنْ عَدْوٍ (أَوْ ذِي) شَوْكَةٍ، وَرَحَلَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ إِلَى مِصْرَ.
وَكَانَ قَدْ بَلَغَ الرُّومَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَسِيرُ زُهَيْرٍ مِنْ بَرْقَةَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ لِقِتَالِ كُسَيْلَةَ، فَاغْتَنَمُوا خُلُوَّهَا فَخَرَجُوا إِلَيْهَا فِي مَرَاكِبَ كَثِيرَةٍ وَقُوَّةٍ قَوِيَّةٍ مِنْ جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ وَأَغَارُوا عَلَى بَرْقَةَ، فَأَصَابُوا مِنْهَا سَبْيًا كَثِيرًا، وَقَتَلُوا وَنَهَبُوا، وَوَافَقَ ذَلِكَ قُدُومَ زُهَيْرٍ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى بَرْقَةَ، فَأُخْبِرَ الْخَبَرَ، فَأَمَرَ الْعَسْكَرَ بِالسُّرْعَةِ وَالْجِدِّ فِي قِتَالِهِمْ، وَرَحَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَكَانَ الرُّومُ خَلْقًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ اسْتَغَاثُوا بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ وَبَاشَرَ الْقِتَالُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَتَكَاثَرَ الرُّومُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا زُهَيْرًا وَأَصْحَابَهُ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَعَادَ الرُّومُ بِمَا غَنِمُوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ.
وَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِقَتْلِ زُهَيْرٍ عَظُمَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ ثُمَّ سَيَّرَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ حَسَّانَ بْنَ النُّعْمَانِ الْغَسَّانِيَّ، وَسَنَذْكُرُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَذْكُرَ وِلَايَةَ زُهَيْرٍ وَقَتْلَهُ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَاهُ هَا هُنَا لِيَتَّصِلَ خَبَرُ كُسَيْلَةَ وَمَقْتَلُهُ، فَإِنَّ الْحَادِثَةَ وَاحِدَةٌ وَإِذَا تَفَرَّقَتْ لَمْ تُعْلَمْ حَقِيقَتُهَا.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
حَجَّ بِالنَّاسِ هَذِهِ السَّنَةَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.
وَفِيهَا وُلِدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالِدُ السَّفَّاحِ وَالْمَنْصُورِ.