يَعْنِي الْأَنْصَارَ، يُقْتَلُونَ فِي سِكَكِهِمْ وَمَسَاجِدِهِمْ وَعَلَى أَبْوَابِ دُورِهِمْ.
فَعَصَاهُ النَّاسُ وَانْصَرَفَ، وَكَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ نَافِعٍ إِفْرِيقِيَّةَ ثَانِيَةً وَمَا افْتَتَحَهُ فِيهَا وَقَتْلِهِ
قَدْ ذَكَرْنَا عَزْلَ عُقْبَةَ عَنْ إِفْرِيقِيَّةَ وَعَوْدَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَعَدَهُ بِإِعَادَتِهِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَتُوُفِّي مُعَاوِيَةُ وَعُقْبَةُ فِي الشَّامِ، فَاسْتَعْمَلَهُ يَزِيدُ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَأَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، فَوَصَلَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ مُجِدًّا، وَقَبَضَ أَبَا الْمُهَاجِرِ أَمِيرَهَا وَأَوْثَقَهُ فِي الْحَدِيدِ وَتَرَكَ بِالْقَيْرَوَانِ جُنْدًا مَعَ الذَّرَارِيِّ وَالْأَمْوَالِ وَاسْتَخْلَفَ بِهَا زُهَيْرَ بْنَ قَيْسٍ الْبَلَوِيَّ، وَأَحْضَرَ أَوْلَادَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ بِعْتُ نَفْسِي مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا أَزَالُ أُجَاهِدُ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. وَأَوْصَى بِمَا يُفْعَلُ بَعْدَهُ.
ثُمَّ سَارَ فِي عَسْكَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى دَخَلَ مَدِينَةَ بَاغَايَةَ، وَقَدِ اجْتَمَعَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الرُّومِ، فَقَاتَلُوهُ قِتَالًا شَدِيدًا وَانْهَزَمُوا عَنْهُ وَقَتَلَ فِيهِمْ قَتْلًا ذَرِيعًا وَغَنِمَ مِنْهُمْ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَدَخَلَ الْمُنْهَزِمُونَ الْمَدِينَةَ وَحَاصَرَهُمْ عُقْبَةُ.
ثُمَّ كَرِهَ الْمُقَامَ عَلَيْهِمْ فَسَارَ إِلَى بِلَادِ الزَّابِ، وَهِيَ بِلَادٌ وَاسِعَةٌ فِيهَا عِدَّةُ مُدُنٍ وَقُرًى كَثِيرَةٌ، فَقَصَدَ مَدِينَتَهَا الْعُظْمَى وَاسْمُهَا أَرَبَةُ، فَامْتَنَعَ بِهَا مَنْ هُنَاكَ مِنَ الرُّومِ وَالنَّصَارَى، وَهَرَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْجِبَالِ، فَاقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ النَّصَارَى عِدَّةَ دَفَعَاتٍ ثُمَّ انْهَزَمَ النَّصَارَى وَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْ فُرْسَانِهِمْ، (وَرَحَلَ إِلَى تَاهَرْتَ) .
فَلَمَّا بَلَغَ الرُّومَ خَبَرُهُ اسْتَعَانُوا بِالْبَرْبَرِ فَأَجَابُوهُمْ وَنَصَرُوهُمْ، فَاجْتَمَعُوا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ وَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ