فَاجْتَازَ ابْنُ عِضَاهٍ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَأَخْبَرَهُ مَا قَدِمَ لَهُ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ مَعَهُ وَلَدَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ: إِذَا بَلَغَتْهُ رُسُلُ يَزِيدَ فَتَعَرَّضَا لَهُ وَلْيَتَمَثَّلْ أَحَدُكُمَا بِهَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ:
فَخُذْهَا فَلَيْسَتْ لِلْعَزِيزِ بِخُطَّةٍ ... وَفِيهَا فِعَالٌ لِامْرِئٍ مُتَذَلِّلٍ
أَعَامِرُ إِنَّ الْقَوْمَ سَامُوكَ خُطَّةً ... وَذَلِكَ فِي الْجِيرَانِ غَزْلٌ بِمِغْزَلِ
أَرَاكَ إِذَا مَا كُنْتَ لِلْقَوْمِ نَاصِحًا ... يُقَالُ لَهُ بِالدَّلْوِ أَدْبِرْ وَأَقْبِلِ
فَلَمَّا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ الرِّسَالَةَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأَبْيَاتَ، فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَا بَنِي مَرْوَانَ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتُمَا فَأَخْبِرَا أَبَاكُمَا:
إِنِّي لَمِنْ نَبْعَةٍ صُمٍّ مَكَاسِرُهَا ... إِذَا تَنَاوَحَتِ الْقَصْبَاءُ وَالْعُشَرُ
فَلَا أَلِينُ لِغَيْرِ الْحَقِّ أَسْأَلُهُ ... حَتَّى يَلِينَ لِضِرْسِ الْمَاضِغِ الْحَجَرُ
وَامْتَنَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ رُسُلِ يَزِيدَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ وَنَاسٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ لِيَزِيدَ: لَوْ شَاءَ عَمْرٌو لَأَخَذَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَسَرَّحَهُ إِلَيْكَ.
فَعُزِلَ عَمْرٌو وَوَلِيَ الْوَلِيدُ الْحِجَازَ، وَأَخَذَ الْوَلِيدُ غِلْمَانَ عَمْرٍو وَمَوَالِيهِ فَحَبَسَهُمْ، فَكَلَّمَهُ عَمْرٌو فَأَبَى أَنْ يُخَلِّيَهُمْ، فَسَارَ عَنِ الْمَدِينَةِ لَيْلَتَيْنِ وَأَرْسَلَ إِلَى غِلْمَانِهِ بِعِدَّتِهِمْ مِنَ الْإِبِلِ، فَكَسَرُوا الْحَبْسَ وَسَارُوا إِلَيْهِ فَلَحِقُوهُ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى الشَّامِ، فَدَخَلَ عَلَى يَزِيدَ وَأَعْلَمَهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ مُكَايَدَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَعَذَرَهُ وَعَلِمَ صِدْقَهُ.