فَقَاتَلَهُمْ بِسِكِّينِهِ سَاعَةً ثُمَّ قُتِلَ، قَتَلَهُ عُرْوَةُ بْنُ بَطَّانٍ الثَّعْلَبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ رُقَادٍ الْجُنُبِيُّ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ.
ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ فَأَرَادَ شَمِرٌ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ حُمَيْدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سُبْحَانَ اللَّهُ أَتَقْتُلُ الصِّبْيَانَ! وَكَانَ مَرِيضًا، وَجَاءَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ بَيْتَ هَذِهِ النِّسْوَةِ أَحَدٌ وَلَا يَعْرِضُ لِهَذَا الْغُلَامِ الْمَرِيضِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا فَلْيَرُدُّهُ، فَلَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ شَيْئًا.
فَقَالَ النَّاسُ لِسِنَانِ بْنِ أَنَسٍ النَّخَعِيِّ: قَتَلْتَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلْتَ أَعْظَمَ الْعَرَبِ خَطَرًا، أَرَادَ أَنْ يُزِيلَ مُلْكَ هَؤُلَاءِ، فَأْتِ أُمَرَاءَكَ فَاطْلُبْ ثَوَابَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَعْطَوْكَ بُيُوتَ أَمْوَالِهِمْ فِي قَتْلِهِ كَانَ قَلِيلًا.
فَأَقْبَلَ عَلَى فَرَسِهِ، وَكَانَ شُجَاعًا شَاعِرًا بِهِ لَوْثَةٌ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَابِ فُسْطَاطِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:
أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَّةً وَذَهَبَا ... إِنِّي قَتَلْتُ السَّيِّدَ الْمُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمًّا وَأَبَا ... وَخَيْرَهُمْ إِذْ يُنْسَبُونَ نَسَبَا
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: أَشْهَدُ أَنَّكَ مَجْنُونٌ، أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ.
فَلَمَّا دَخَلَ حَذَفَهُ بِالْقَضِيبِ وَقَالَ: يَا مَجْنُونُ أَتَتَكَلَّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ؟ وَاللَّهِ لَوْ سَمِعَكَ ابْنُ زِيَادٍ لَضَرَبَ عُنُقَكَ! وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ عُقْبَةَ بْنَ سِمْعَانَ مَوْلَى الرَّبَابِ ابْنَةِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيَّةِ امْرَأَةِ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ: مَا أَنْتِ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ.
فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْمُرَقَّعِ بْنِ ثُمَامَةَ الْأَسَدِيِّ، وَكَانَ قَدْ نَثَرَ نَبْلَهُ فَقَاتَلَ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فَآمَنُوهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أُخْبِرَ ابْنُ زِيَادٍ خَبَرَهُ نَفَاهُ إِلَى الزَّارَةِ.
ثُمَّ نَادَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فِي أَصْحَابِهِ مَنْ يُنْتَدَبُ إِلَى الْحُسَيْنِ فَيُوطِئُهُ فَرَسَهُ، فَانْتَدَبَ عَشْرَةً، مِنْهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ حَيْوَةَ الْحَضْرَمِيُّ، وَهُوَ الَّذِي سَلَبَ قَمِيصَ الْحُسَيْنِ، فَبَرِصَ بَعْدُ، فَأَتَوْا فَدَاسُوا الْحُسَيْنَ بِخُيُولِهِمْ حَتَّى رَضُّوا ظَهْرَهُ وَصَدْرَهُ.
وَكَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ رَجُلًا.