أَقِمْ فِينَا مَا بَدَا لَكَ، فَإِنَّ هَاجَكَ هَيْجٌ فَأَنَا زَعِيمٌ لَكَ بِعِشْرِينَ أَلْفِ طَائِيٍّ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِأَسْيَافِهِمْ، فَوَاللَّهِ لَا يُوصَلُ إِلَيْكَ أَبَدًا وَفِيهِمْ عَيْنٌ تَطَرُفُ.
فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ وَقَوْمَكَ خَيْرًا! إِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ قَوْلٌ لَسْنَا نَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الِانْصِرَافِ وَلَا نَدْرِي عَلَامَ (تَتَصَرَّفُ بِنَا وَبِهِمُ) الْأُمُورُ.
فَوَدَّعَهُ وَسَارَ إِلَى أَهْلِهِ وَوَعَدَهُ أَنْ يُوصِلَ الْمِيرَةَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَعُودَ إِلَى نَصْرِهِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ عُذَيْبَ الْهِجَانَاتِ لَقِيَهُ خَبَرُ قَتْلِهِ فَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.
ثُمَّ سَارَ الْحُسَيْنُ حَتَّى بَلَغَ قَصْرَ مُقَاتِلٍ فَرَأَى فُسْطَاطًا مَضْرُوبًا فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُرِّ الْجُعْفِيِّ.
فَقَالَ: ادْعُوهُ لِي.
فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ يَدْعُوهُ قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَّا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَدْخُلَهَا الْحُسَيْنُ وَأَنَا بِهَا، وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ أَنْ أَرَاهُ وَلَا يَرَانِي.
فَعَادَ الرَّسُولُ إِلَى الْحُسَيْنِ فَأَخْبَرَهُ، فَلَبِسَ الْحُسَيْنُ نَعْلَيْهِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَدَعَاهُ إِلَى نَصْرِهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحُرِّ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، قَالَ: فَإِنْ لَا تَنْصُرْنِي فَاتَّقِ اللَّهَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُقَاتِلُنَا، فَوَاللَّهِ لَا يَسْمَعُ وَاعِيَتَنَا أَحَدٌ ثُمَّ لَا يَنْصُرُنَا إِلَّا هَلَكَ.
فَقَالَ لَهُ: أَمَّا هَذَا فَلَا يَكُونُ أَبَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ثُمَّ قَامَ الْحُسَيْنُ فَخَرَجَ إِلَى رَحْلِهِ ثُمَّ سَارَ لَيْلًا سَاعَةً فَخَفَقَ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ انْتَبَهَ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: يَا أَبَتِ جُعِلْتُ فِدَاكَ! مِمَّ حَمِدْتَ وَاسْتَرْجَعْتَ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي خَفَقْتُ بِرَأْسِي خَفْقَةً فَعَنَّ لِي فَارِسٌ عَلَى فَرَسٍ، فَقَالَ: الْقَوْمُ يَسِيرُونَ وَالْمَنَايَا تَسِيرُ إِلَيْهِمْ، فَعَلِمْتُ أَنَّ أَنْفُسَنَا نُعِيَتَ إِلَيْنَا.
فَقَالَ: يَا أَبَتِ لَا أَرَاكَ اللَّهُ سُوءًا.
أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ.
قَالَ: إِذَنْ لَا نُبَالِي أَنْ نَمُوتَ مُحِقِّينَ.
فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ خَيْرًا مَا جَزَى وَلَدًا عَنْ وَالِدِهِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ عَجَّلَ الرُّكُوبَ فَأَخَذَ يَتَيَاسَرُ بِأَصْحَابِهِ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ، فَأَتَى الْحُرُّ فَرَدَّهُ وَأَصْحَابَهُ، فَجَعَلَ إِذَا رَدَّهُمْ نَحْوَ الْكُوفَةِ رَدًّا شَدِيدًا امْتَنَعُوا عَلَيْهِ وَارْتَفَعُوا، فَلَمْ يَزَالُوا يَتَيَاسَرُونَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى نِينَوَى، الْمَكَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْحُسَيْنُ، فَلَمَّا نَزَلُوا إِذَا رَاكِبٌ مُقْبِلٌ مِنَ الْكُوفَةِ، فَوَقَفُوا يَنْتَظِرُونَهُ، فَسَلَّمَ عَلَى الْحُرِّ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، وَدَفَعَ إِلَى الْحُرِّ كِتَابًا مِنِ ابْنِ زِيَادٍ، فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَجَعْجِعْ بِالْحُسَيْنِ حِينَ