لِيُؤْمِنُوا، فَفَعَلَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا.

فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ وَمِنْ إِيمَانِ فِرْعَوْنَ دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُونُ فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] . فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمَا، فَمَسَخَ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ، مَا عَدَا خَيْلَهُمْ وَجَوَاهِرَهُمْ وَزِينَتَهُمْ حِجَارَةً، وَالنَّخْلَ، وَالْأَطْعِمَةَ، وَالدَّقِيقَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ إِحْدَى الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى.

فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى مُوسَى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ تَابُوتَ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ وَيَدْفِنَهُ بِالْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَسَأَلَ مُوسَى عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا امْرَأَةٌ عَجُوزٌ فَأَرَتْهُ مَكَانَهُ فِي النِّيلِ، فَاسْتَخْرَجَهُ مُوسَى، وَهُوَ فِي صُنْدُوقٍ مَرْمَرٍ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ فَسَارَ، وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَسْتَعِيرُوا مِنْ حُلِيِّ الْقِبْطِ مَا أَمْكَنَهُمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَخَذُوا شَيْئًا كَثِيرًا.

وَخَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا وَالْقِبْطُ لَا يَعْلَمُونَ، وَكَانَ مُوسَى عَلَى سَاقَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهَارُونُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِمْ، وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمَّا سَارُوا مِنْ مِصْرَ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ هَامَانُ، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] يَا مُوسَى! {أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف: 129] ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَانُوا يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَنَا وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا، وَأَمَّا الْآنَ فَيُدْرِكُنَا فِرْعَوْنُ فَيَقْتُلُنَا. قَالَ مُوسَى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] .

وَبَلَغَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الْبَحْرِ وَبَقِيَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَفِرْعَوْنُ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَأَيْقَنُوا بِالْهَلَاكِ، فَتَقَدَّمَ مُوسَى فَضَرَبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ فَانْفَلَقَ، {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] ، وَصَارَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، فَقَالَ كُلُّ سِبْطٍ: قَدْ هَلَكَ أَصْحَابُنَا. فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَاءَ فَصَارَ كَالشُّبَّاكِ، فَكَانَ كُلُّ سِبْطٍ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى خَرَجُوا، وَدَنَا فِرْعَوْنُ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَحْرِ فَرَأَى الْمَاءَ عَلَى هَيْئَتِهِ وَالطُّرُقَ فِيهِ، فَقَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015