عِنْدَ ذَلِكَ الْحُسَيْنُ وَقَالَ: ابْنَ الزَّرْقَاءِ أَأَنْتَ تَقْتُلُنِي أَمْ هُوَ؟ كَذَبْتَ وَاللَّهِ وَلَؤُمْتَ! ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ.
فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ: عَصَيْتَنِي، لَا وَاللَّهِ لَا يُمَكِّنُكَ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِهَا أَبَدًا، فَقَالَ الْوَلِيدُ: وَبِّخْ غَيْرَكَ يَا مَرْوَانُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ عَنْهُ مِنْ مَالِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا وَأَنِّي قَتَلْتُ حُسَيْنًا إِنْ قَالَ لَا أُبَايِعُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنَّ أَنَّ امْرَأً يُحَاسَبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ لَخَفِيفُ الْمِيزَانِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ مَرْوَانُ: قَدْ أَصَبْتَ. يَقُولُ لَهُ هَذَا وَهُوَ غَيْرُ حَامِدٍ لَهُ عَلَى رَأْيِهِ.
وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: الْآنَ آتِيكُمْ.
ثُمَّ أَتَى دَارَهُ فَكَمَنَ فِيهَا، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ فَوَجَدَهُ قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَاحْتَرَزَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ وَهُوَ يَقُولُ: أَمْهِلُونِي.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْوَلِيدُ مَوَالِيهِ، فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الْكَاهِلِيَّةِ لَتَأْتِيَنَّ الْأَمِيرَ أَوْ لَيَقْتُلَنَّكَ! فَقَالَ لَهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَرَبْتُ لِكَثْرَةِ الْإِرْسَالِ، فَلَا تُعَجِّلُونِي حَتَّى أَبْعَثَ إِلَى الْأَمِيرِ مَنْ يَأْتِينِي بِرَأْيِهِ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَخَاهُ جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ، كُفَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَفْزَعْتَهُ وَذَعَرْتَهُ وَهُوَ يَأْتِيكَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمُرْ رُسُلَكَ فَلْيَنْصَرِفُوا عَنْهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَانْصَرَفُوا.
وَخَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَخَذَ طَرِيقَ الْفُرْعِ هُوَ وَأَخُوهُ جَعْفَرٌ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَسَارَا نَحْوَ مَكَّةَ، فَسَرَّحَ الرِّجَالَ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، فَرَجَعُوا وَتَشَاغَلُوا بِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ لَيْلَتَهُمْ، ثُمَّ أَرْسَلَ الرِّجَالَ إِلَى الْحُسَيْنِ فَقَالَ لَهُمْ: أَصْبِحُوا ثُمَّ تَرَوْنَ وَنَرَى، وَكَانُوا يُبْقُونَ عَلَيْهِ، فَكَفُّوا عَنْهُ، فَسَارَ مِنْ لَيْلَتِهِ:
وَكَانَ مَخْرَجُ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَبْلَهُ بِلَيْلَةٍ، وَأَخَذَ مَعَهُ بَنِيهِ وَإِخْوَتَهُ وَبَنِي أَخِيهِ وَجُلَّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: يَا أَخِي أَنْتَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَذَّخِرُ النَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ، تَنَحَّ بِبَيْعَتِكَ عَنْ يَزِيدَ وَعَنِ الْأَمْصَارِ مَا اسْتَطَعْتَ وَابْعَثْ رُسُلَكَ إِلَى النَّاسِ وَادْعُهُمْ إِلَى نَفْسِكَ فَإِنْ بَايَعُوا لَكَ حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِكَ لَمْ يَنْقُصِ اللَّهُ بِذَلِكَ دِينَكَ وَلَا عَقْلَكَ وَلَا تَذْهَبُ بِهِ مُرُوءَتُكَ وَلَا فَضْلُكَ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَأْتِيَ مِصْرًا وَجَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ فَيَخْتَلِفُوا