بُدَيْحُ! فَتَغَنَّى، فَحَرَّكَ مُعَاوِيَةُ رِجْلَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَهْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ الْكَرِيمَ طَرُوبٌ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا رَأَيْتُ أَخْلَقَ لِلْمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، إِنْ كَانَ لَيَرِدُ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى أَرْجَاءِ وَادٍ رَحْبٍ، وَلَمْ يَكُنْ كَالضَّيِّقِ الْحُصْحُصِ الْحَصِرِ، يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ مُغْضَبًا.
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: وَقَفَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِقَبْرِ مُعَاوِيَةَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَتَرَحَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَبْرُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: قَبْرُ رَجُلٍ كَانَ وَاللَّهِ فِيمَا عَلِمْتُهُ يَنْطِقُ عَنْ عِلْمٍ، وَيَسْكُتُ عَنْ حِلْمٍ، إِذَا أَعْطَى أَغْنَى، وَإِذَا حَارَبَ أَفْنَى، ثُمَّ عَجَّلَ لَهُ الدَّهْرُ مَا أَخَّرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُ، هَذَا قَبْرُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاوِيَةَ.
وَمُعَاوِيَةُ أَوَّلُ خَلِيفَةٍ بَايَعَ لِوَلَدِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْبَرِيدَ، وَأَوَّلُ مَنْ سَمَّى الْغَالِيَةَ الَّتِي تُطَيِّبُ مِنَ الطِّيبِ غَالِيَةً، وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَ الْمَقْصُورَةَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَأَوَّلُ مَنْ خَطَبَ جَالِسًا، فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
ذِكْرُ بَيْعَةِ يَزِيدَ
قِيلَ: وَفِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ يَزِيدُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ، فَلَمَّا تَوَلَّى كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَلَى مَكَّةَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَعَلَى الْبَصْرَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَعَلَى الْكُوفَةِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَزِيدَ هِمَّةٌ إِلَّا بَيْعَةُ النَّفَرِ الَّذِينَ أَبَوْا عَلَى مُعَاوِيَةَ بَيْعَتَهُ، فَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ يُخْبِرُهُ بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ، وَكِتَابًا آخَرَ صَغِيرًا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ فَخُذْ حُسَيْنًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ بِالْبَيْعَةِ أَخْذًا لَيْسَ فِيهِ رُخْصَةٌ حَتَّى يُبَايِعُوا، وَالسَّلَامُ. فَلَمَّا أَتَاهُ نَعْيُ مُعَاوِيَةَ فُظِعَ بِهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِ وَبَعَثَ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَدَعَاهُ.
وَكَانَ مَرْوَانُ عَامِلًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قَبْلِ