يَرُدُّونَ عَلَيْكَ:
فَقَامَ مَرْوَانُ فِي النَّاسِ فَأَخْبَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ النَّاسُ: أَصَابَ وَوُفِّقَ، وَقَدْ أَحْبَبْنَا أَنْ يَتَخَيَّرَ لَنَا فَلَا يَأْلُو.
فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ، فَأَعَادَ إِلَيْهِ الْجَوَابَ يَذْكُرُ يَزِيدَ، فَقَامَ مَرْوَانُ فِيهِمْ وَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ اخْتَارَ لَكُمْ فَلَمْ يَأْلُ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ ابْنَهُ يَزِيدَ بَعْدَهُ.
فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا مَرْوَانُ وَكَذَبَ مُعَاوِيَةُ! مَا الْخِيَارُ أَرَدْتُمَا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَلَكِنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوهَا هِرَقْلِيَّةً كُلَّمَا مَاتَ هِرَقْلُ قَامَ هِرَقْلُ:
فَقَالَ مَرْوَانُ: هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: 17] الْآيَةَ.
فَسَمِعَتْ عَائِشَةُ مَقَالَتَهُ فَقَامَتْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَقَالَتْ: يَا مَرْوَانُ يَا مَرْوَانُ!
فَأَنْصَتَ مَرْوَانُ وَأَقْبَلَ مَرْوَانَ بِوَجْهِهِ:
فَقَالَتْ: أَنْتَ الْقَائِلُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ؟ كَذَبْتَ! وَاللَّهِ مَا هُوَ بِهِ وَلَكِنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَلَكِنَّكَ أَنْتَ فَضَضٌ مِنْ لَعْنَةِ نَبِيِّ اللَّهِ.
وَقَامَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَفَعَلَ مِثْلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، فَكَتَبَ مَرْوَانُ بِذَلِكَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ بِتَقْرِيظِ يَزِيدَ وَوَصْفِهِ وَأَنْ يُوفِدُوا إِلَيْهِ الْوُفُودَ مِنَ الْأَمْصَارِ، فَكَانَ فِيمَنْ أَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ فِي وَفْدِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ كُلَّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَانْظُرْ مَنْ تُوَلِّي أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ:
فَأَخَذَ مُعَاوِيَةَ بُهْرٌ حَتَّى جَعَلَ يَتَنَفَّسُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ ثُمَّ وَصَلَهُ وَصَرَفَهُ، وَأَمَرَ الْأَحْنَفَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى يَزِيدَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: كَيْفَ رَأَيْتَ ابْنَ أَخِيكَ؟ قِيلَ: رَأَيْتُ شَبَابًا وَنَشَاطًا وَجَلَدًا وَمِزَاحًا.
ثُمَّ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِلضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ، لَمَّا اجْتَمَعَ الْوُفُودُ عِنْدَهُ: إِنِّي مُتَكَلِّمٌ فَإِذَا سَكَتُّ فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَدْعُو إِلَى بَيْعَةِ يَزِيدَ وَتَحُثُّنِي عَلَيْهَا:
فَلَمَّا جَلَسَ مُعَاوِيَةُ لِلنَّاسِ تَكَلَّمْ، فَعَظَّمَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ وَحُرْمَةَ الْخِلَافَةِ وَحَقَّهَا وَمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ: